كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لم يخرج «شيطان التفاصيل» من مسألة التمديد لمدير عام الأمن العام اللواء المتقاعد عباس ابراهيم الذي يحال نهاية هذا الشهر إلى التقاعد. في المبدأ، لم يكن هناك اشكالية في تأمين النصاب القانوني- الميثاقي طالما أنّ رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل وعد ابراهيم بالمشاركة في الجلسة التشريعية، خلافاً لرأي بقية الكتل المسيحية التي قررت المقاطعة التزاماً بقاعدة أنّ مجلس النواب هيئة ناخبة تنحصر مهمتها بانتخاب رئيس للجمهورية وبالتالي لا يجوز لها التشريع… وخلافاً لرأي بكركي التي ألقت «الحُرم الكنسي» على الجلسة لأنّ الموضوع الأساس يبقى «أن يلتئم مجلس النواب وينتخب رئيساً بموجب المادّة 49 من الدستور»، كما أنّ «عدم التئامه والتمادي في الشغور لا يبرّران مخالفة المادّتين 74 و75 منه اللتين تعلنان المجلس النيابيّ هيئة إنتخابيّة لا تشريعيّة».
ولأنّ «التيار الوطني الحر» تعاطى مع جلسات مجلس الوزراء وكأنّها «خطيئة الخطايا» التي لا يمكن «التكفير عنها»، لكونها حكومة تصريف أعمال من غير المسموح لها دستورياً أن تعقد جلساتها في غياب رئاسة الجمهورية، كان من السهل التصويب على الفريق العوني «غير الممانع» للمشاركة في جلسات التشريع، التي وضعت أمام رئيس مجلس النواب على «طبق من فضّة» لكي يعيد فتح باب التشريع في البرلمان. هكذا، وجّهت القوات احداثياتها بوجه «التيار الوطني الحرّ» لاتهامه بارتكاب «المعصية» في حال قرر تغطية الجلسة المفترض عقدها هذا الأسبوع بعد أن تنتهي هيئة المكتب من وضع جدول أعمالها.
ولكن في الواقع الصورة مغايرة كلياً. تدلّ التسريبات حول جدول الأعمال الى عمق الاشكالية التي لا تزال عقدتها في خشبة التمديد للواء ابراهيم، وذلك لأكثر من سبب: منها ما هو مرتبط بعنوان الجلسة أو بالأحرى «الشماعة» التي يعلّق عليها باسيل حجة مشاركته فيها، أي قانون الكابيتال كونترول. ومنها ما يتصل بمدى اتساع جدول الأعمال في ضوء اصرار التيار العوني على أن يكون مقتضباً، محصوراً بما هو طارئ واستثنائي ولا يجوز تأجيله. وأخيراً، ما هو متعلق مباشرة بطبيعة القانون الذي سيتمّ اقراره لكي يكون ابراهيم من المستفيدين من التمديد.
– فالكابيتال كونترول الذي يحتلّ البند الأول من جدول أعمال الجلسة، وكما هو مطروح، وبعد أكثر من ثلاث سنوات على وقوع الأزمة المالية وإفلاس المصارف، هو أشبه بخشبة خلاص بالنسبة للمصارف وأصحابها، لا بل هو بمثابة صكّ براءة من تهمة تضييع مدّخرات الناس وودائعهم، كون جلّ ما هو مطلوب من هذا القانون في الوقت الراهن هو حماية المصارف من الدعاوى القضائية التي قد تلاحقهم أسوة بالحكم الصادر بحق فرانسبنك والذي دفع بقية المصارف إلى التضامن معه والإقفال والتهديد بالإقفال التام. اذاً العنوان، ليس موضع ثقة أمام الرأي العام ولا يمكن التسويق له كمنتج يتيح «للتيار الوطني الحرّ» أن يطنّش عن الانتقادات التي يتعرّض لها بسبب خروجه عن الصفّ المسيحي المقاطع.
– أمّا بالنسبة لجدول الأعمال المؤلف من 81 بنداً (حسب التسريبات)، فيبدو أنّه لا يزال موضع خلاف بين رئيس مجلس النواب الذي يرفض الخضوع لشروط باسيل في تشذيب الجدول، الذي تدلّ التسريبات على انّه يتضمن أكثر من اقتراح «تمديدي»، منها، المقدم من النائب علي حسن خليل والقاضي بتمديد تعيين المدراء العامين ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين سيحالون إلى التقاعد قبل 31/ 12/ 2023 لثلاث سنوات، ومنها المقدم من نواب كتلة «الاعتدال الوطني» والقاضي بتمديد سنّ تقاعد المديرين العامين للأجهزة الأمنية الذين سيحالون إلى التقاعد قبل 31/ 12/ 2024، وذلك لسنتين من تاريخ الإحالة إلى التقاعد.
وفي مطلع جدول الأعمال يظهر أيضاً أول اثباتات «الديل» الذي عقده باسيل مع ابراهيم كي يغطّي الجلسة. اذ يتضمن البند الثاني مشروع قانون «يطلب الموافقة على ابرام اتفاقية قرض بين لبنان والصندوق الكويتي للتنمية لتمويل مشروع إنشاء منظومات للصرف الصحيّ في قضاء البترون». ولهذا باسيل تولى قيادة دفة التصدي لحملة الانتقادات، وتبرير «فعلة المشاركة» في الجلسة التشريعية.
– أمّا بالنسبة لتداعيات قانون التمديد، فهي بدورها تثير إشكالية اذا ما شملت كلّ المدراء العامين في الإدارة العامة، وفقاً لطلب جبران باسيل، لكونها ستثير الفوضى في الإدارة، و»تجاوزاً معنوياً» للعهد الجديد الذي سيكون أمام واحد من خيارين: إمّا إبقاء القديم على قدمه بما يعني تحمّل تركة العهد القديم برزمة مدراء عامين تمّ تمديد سنّ تقاعدهم على نحو استثنائي، وإمّا وضع من يراه ثقيلاً على عهده، بالتصرّف، بما يزيد من أعباء الإدارة العامة، على المستوى المالي.
مسار ثقيل على العونيين
في مطلق الأحوال، يبدو هذا المسار ثقيلاً على أكتاف النواب العونيين، الذين يرفضون مجاراة جبران باسيل على «العميانة»، حيث يتبيّن أنّ ثمة موجة اعتراض واسعة في صفوف «تكتل لبنان القوي» على مبدأ المشاركة في الجلسة، لعدم قناعتهم بالأسباب والحيثيات التي تملي عليهم المشاركة، لا بل يشعرون أنّ هزّاتها الارتدادية تفوق قوة وصخباً، منافعها:
اذ كيف يمكنهم أن يقروا «الكابيتال كونترول» وهو مرفوض من الرأي العام وتحديداً من المودعين؟ ويفترض أن جمهورهم من هذه الفئة لا من فئة أصحاب المصارف؟ كيف سيقنع العونيون ناسهم بسلامة قانون التمديد وهم لطالما وقفوا ضدّ هذه الممارسة غير الديموقراطية وشنّوا حروباً ضدها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر التمديد للعماد جان قهوجي حين كان قائداً للجيش؟ كيف يمكنهم تبرير الفوضى التي سيسببها القانون في الإدارة العامة بينما يفترض بهم أن يقودوا ورشة إصلاحية لتنقيح الإدارة العامة وترشيدها لا إتخامها بالمدراء العامين؟ ماذا سيقول هؤلاء النواب لناخبيهم وهم يدركون أنّ مشاركتهم في الجلسة ليست الا انصياعاً لمصالح جبران باسيل الشخصية والفئوية؟ ما هو الطارئ والضروري؟ أين صدقيتهم؟
حتى مساء يوم أمس، كانت الجلسة التشريعية على كفّ «الشيطنة المسيحية»، لا سيما وانّ اقتراح النائب علي حسن خليل كان لا يزال موضع خلاف بين المكونات المشاركة نظراً لتداعياته السلبية على الإدارة العامة وعلى العهد الجديد لجهة تكبيله، فيما نواب «الاعتدال الوطني» يهددون بالمقاطعة اذا لم يكن اللواء عماد عثمان ضمن الرزمة المستفيدة خصوصاً وأنّ اقتراح علي حسن خليل لا يشمله كون عثمان يُحال إلى التقاعد في 2024. في المقابل، فإنّ صمت «اللقاء الديمقراطي» لا يشي بأن هذا الفريق متحمّس كثيراً للجلسة بعدما خرج من «مولد التمديد بلا حمّص». كثرت الاتصالات واللقاءات في الساعات الأخيرة، لكنها لم تحجب التخوّف من أن تحرق كثرة المطالب والشروط، الطبخة، وأن تكون أولى محاولات عقد جلسة تشريعية، آخرها!