كتب عمار نعمة في “اللواء”:
يُصارح ديبلوماسي أوروبي مجالسيه بنظرته المتشائمة، أو لِنَقُل غير المتفائلة، حيال قرب نهوض لبنان، إقتصاديا على وجه الخصوص، من كبوته التي يرتبط جزء كبير منها، حسبه، باللبنانيين أنفسهم الذين يهدرون الفرصة تلو الأخرى في سبيل حل سياسي يؤمن الاستقرار، المفتاح الأول لذاك النهوض.
طبعا يتراءى لمن يقرأ هذا الكلام أن الأوروبيين لا يريدون تحميل أنفسهم أي مسؤولية في كل ما جرى في البلاد، لكن مسؤولية اللبنانيين لا يمكن نفيها وهي تتفوق على تلك التي يتحملها الخارج الذي تشغله قضايا عديدة اليوم ولا يحتل لبنان أولوية لديه في هذه اللحظة من التطورات العالمية ولعل الحرب الأوكرانية على رأسها.
هنا في هذه النقطة الأخيرة، الحرب الأوكرانية، يمكن تلمس الأمل بأن هذه النظرة الأوروبية غير المبالية قد تتبدل مع الوقت مع تغير الظروف تلك الحرب. هذا ما يتقاطع عليه أكثر من ديبلوماسي أوروبي لكن الشرط الأهم يبقى في المبادرة اللبنانية إلى الحل.
هؤلاء الأوروبيون لا يقاربون الموضوع بالمعنى السياسي الآني، ولا يتناولون مباشرة القضية الأساس اليوم وهي رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكم، ولعلهم بذلك يُقرون بأن الموضوع خارج أيديهم وإن كانو يحتفظون بهامش، فرنسي على وجه الخصوص، في الموضوع الرئاسي وغيره.
لكنهم يتحدثون على المدى الطويل ويقاربون الموضوع برمته ويتعاطون مع لبنان بمستقبله الذي ما زال في بعض مكامنه يهمهم، سواء على صعيد الاستقرار أو بالنسبة الى اللاجئين كما على صعيد قواتهم في الجنوب وطبعا على صعيد الثروة المائية اللبنانية..
يعترف هؤلاء بأنهم، مع تعاطفهم مع نظرة الكثير من اللبنانيين لتغيير طبقتهم السياسية، إلا أنهم يتوقفون عند الانتخابات النيابية الأخيرة التي دلّت على تمسك الشرائح الكبرى من اللبنانيين بتلك الطبقة.
هم لا ينتقدون خيار اللبنانيين وإن كانوا يشيرون الى ان لذلك عوامل كثيرة اولها تعلق مصير اللبنانيين بطبقتهم السياسية حتى باتوا “مبنجين” بالمعنى النفسي بها وغير مقتنعين بتغييرها لظرف مصلحي حمائي مع علمهم بفسادها.
لذلك على العالم التعاطي مع السياسيين اللبنانيين كما هم ولا قدرة على تغييرهم ولو عبر العقوبات، فهذا ليس زمن فرض الإرادات الخارجية على الدول مثل لبنان المتميز بحرياته وبإرثه المتعدد وهو ما زال نموذجاً فريداً من نوعه في عالم اليوم..
الكلام موجه إذا إلى السياسيين الذين عليهم التحلي بإرادة واجتراح مخطط طويل الأمد للإصلاح وتمكين المؤسسات وهو ما ينتظره الأوروبيون منذ زمن وليس مؤتمر “سيدر” الأخير في العام 2018 سوى المثال الحي على ذلك.
لذا لا مساعدات بلا إصلاحات واللبناني يملك المقدرات البشرية والمادية للشروع بذلك للنهوض ولوقف استنزاف ثروته البشرية بالهجرة، والأوروبيون على استعداد للمساعدة ويمكن للبنانيين الاعتماد عليهم شرط إعلاء اللبنانيين لمفهوم الدولة التي باتت عبارة عن كانتونات طائفية تتنازع الصراعات!
يعلم الأوروبيون عمق الأزمة وتحلل الدولة ويُقرّون بثقل اللاجئين السوريين عليها، وينفون تهم التآمر على لبنان وفرضهم لبقاء هؤلاء فيه.
لكنهم لا يقدمون حلاً سوى تحمل اللبنانيين لهذا العبىء المتفجر الذي تعلم أوروبا تماما آثاره عليها مع الوقت وهي تخشاه اقتصادياً وديموغرافياً. وهي بربطها الموضوع بـ”الظروف” أي فعلياً انتظار الحل في سوريا “ما ليس متوافرا اليوم” حسب الديبلوماسي الأوروبي، وبالتخفيف من حجمهم الديموغرافي وبتكرار الكلام التضامني المعسول فقط، تكون متخلية عن لبنان.
على أن لبنان بلا رئيس جمهورية وحكومة، متخلف عن سداد ديونه، غير قادر على إدارة موارده، لن يكون في مقدوره محاسبة الآخرين على مواقفهم من دون مواجهة جادّة للفساد ومن دون تفعيل مؤسساته والفصل بينها، ومنها القضائية، ما سيعزز حال الشلل ويعمق الواقع “المأساوي” في لبنان.
يختم الديبلوماسي كلامه بالتأكيد “أننا لن نتخلى عن لبنان الذي عليه مساعدة نفسه”. كلمات عامّة من الواضح أنها غير قابلة للصرف اليوم، لكنها تؤكد أن للبنان حصته من اهتمام دولي.. مؤجل.