قانون البلديات: الشغور الرئاسي يطيح باندفاعة التطوير والتحديث

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

تشكل الإنتخابات البلدية والإختياريّة إستحقاقاً قانونياً ودستورياً وديمقراطياً يفتح الباب أمام المواطنين للتعبير عن إرادتهم ورغبتهم في اختيار سلطتهم المحليّة كل ستّ سنوات. إلّا أن تزامن هذا الإستحقاق مع الإنتخابات النيابيّة في أيار المنصرم، دفع المسؤولين إلى حرمان الناخبين من هذا الحقّ، وإعطاء الأولوية إلى الإستحقاق النيابي الذي «لا يتقدمه أي استحقاق آخر» وفق الأسباب الموجبة التي رافقت القانون الرامي إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والإختياريّة حتى 31 أيار 2023. ومن تلك الأسباب أيضاً، الإشارة إلى اقتراب اللجان النيابية المختصة من إقرار قانون «عصري للبلديات» بعد مخاض عسير من الأخذ والردّ والدراسات التي استمرت لسنين، لكن مشروع القانون لم يسلك حتى تاريخه، طريقه إلى الهيئة العامة لإقراره واعتماده في الإستحقاق المرتقب بعد أشهر.

اذا كان الشغور في سدّة الرئاسة الأولى وتحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة مع بداية شهر تشرين الثاني المنصرم، من الأسباب الظاهرة لعدم تطوير القانون المعتمد في الإنتخابات البلدية وإدخال التعديلات المطلوبة عليه، إلّا أن عجز النواب عن القيام بواجبهم الدستوري وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، يطال أيضاً عملهم في اللجان التي تشهد المزيد من الإقتراحات والمزايدات الهادفة إلى تفعيل دور البلديات بما يتلاءم والتحديات الملقاة على عاتقها في ظل التحديات التي تواجهها جرّاء غياب السلطة المركزية، لا بل عجزها عن القيام بواجباتها، وتولي بعض السلطات المحليّة وضع الخطط التوجيهية الكفيلة بتأمين أو تنظيم أبسط مقومات الحياة الكريمة والخدمات الصحيّة والأمنيّة والمعيشية ضمن إطارها الجغرافي.. ملاقيةً بذلك الدور الفاعل الذي سيناط بها أكثر مع إقرار اللامركزية الإداريّة والبدء في تطبيقها.

الثقة المفقودة بمؤسسات الدولة الرسميّة، والفساد المستشري في صناديقها، ساهما خلال الآونة الأخيرة في تحوّل أنظار المجتمع الدولي ومساعداته المالية والإنمائيّة، نحو السلطات المحليّة، والجمعيات غير الحكوميّة التي يلعب البعض منها دوراً تكاملياً في المخططات التوجيهيّة ضمن الإطار البلدي. وهذا ما ألقى وسيلقي المزيد من المسؤوليات على المجالس المنتخبة التي تحظى بثقة المجتمع الدولي، والتي تعكس الإرادة الفعليّة للمواطنين كونها الأكثر دراية بمصالحهم ومطالبهم لتماسها اليومي مع التحديات التي يواجهونها والتي تفتح الباب أمامهم لمحاسبة تلك السلطة المحليّة في صناديق الإقتراع.

تعديلات مقترحة

بالتوازي، كان التوجّه عبر اللجنة الفرعيّة المنبثقة من لجنة «الدفاع الوطني والداخليّة والبلديات» في مجلس النواب، إلى دراسة المشاريع المطروحة أمامها، منها اعتماد النظام النسبي أسوةً بالإنتخابات النيابيّة، وانتخاب رئيس البلديّة ونائبه عبر الإنتخاب المباشر من المقترعين، واشتراط أن يكونا من حملة الشهادات الجامعيّة، كما السعي إلى تقصير ولاية المجالس البلدية والإختيارية إلى أربع سنوات، والسماح للمجلس البلدي «المنحلّ» او المستقيل، بالقيام بتصريف الأعمال إلى حين إنتخاب مجلسٍ جديدٍ، عوض انتقال صلاحياته إلى القائمقام أو المحافظ… وغيرها من الأمور الإدارية المطلوب إقرارها من أجل إعطاء المجالس المحليّة المنتخبة المزيد من الإستقلاليّة، وتعزيز حضورها ومواردها الماليّة التي تتيح لها الإستمرار في تحمّل المسؤوليات وإيجاد الحلول للتحديات التي تعجز السلطة المركزية عن القيام بها.

ورغم العمل الدؤوب للجنة الفرعيّة للبلديات، إلّا أنها لم تتمكّن من إحالة إقتراح قانون متكامل إلى الهيئة العامة لمجلس النواب الذي لا يزال يتلقى المزيد من مشاريع القوانين المرتبطة بتعديل قانون البلديات وليس آخرها مشروع قانون من أجل إقرار الكوتا النسائية في المجالس البلدية، لينضم بدوره إلى مشاريع القوانين السابقة التي قارب عددها الخمسة مرتبطة بالكوتا النسائية.

ومع إقرار المعنيين باستحالة تطوير القانون على مشارف موعد إجراء الإنتخابات، فإنّ القانون الساري المفعول سيتم اعتماده، وسط غياب الحماسة من أجل اعتماد النسبيّة لما لهذا الإصلاح الإنتخابي من إنعكاسات سلبيّة على تكوين المجالس البلدية، وعلى آليّة إتخاذ القرار داخلها، تحديداً في البلدات والمدن المختلطة. ورغم ذلك، يطالب بعض النواب بتطبيق المادة 16 من قانون البلديات الحالي، التي تشير إلى أنه «تسري على الإنتخابات البلدية أحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب في كل ما لا يتعارض وأحكام هذا القانون»، في حين استثنى قانون الانتخابات النيابية 44/2017 في المادة 125 الإنتخابات البلدية والإختياريّة من أحكامه، ما يعني أن المشرع إستدرك عدم جهوزية السلطات المحليّة لتطبيق النسبيّة في الإنتخابات وترك الباب مفتوحاً للإبقاء على النظام الأكثري.

واذا كان قانون البلديات لا يميّز بين مواطن وآخر ترشيحاً واقتراعاً، فقد جرت العادة أو الأعراف على احترام وضمان تمثيل جميع المكونات العائليّة والطائفيّة في المجالس البلدية، أكان في بلدية بيروت او غيرها من البلدات التي قد يدفع إعتماد نظام الإنتخاب النسبيّ إلى إقصاء شرائح طائفيّة وعائليّة عن المشاركة في اتخاذ القرار داخل مجلسها البلدي. وتجدر الملاحظة إلى أنه رغم اعتماد النظام الأكثري في الإنتخابات البلدية العام 2016، وتواجد مرشحين مسيحيين على غالبيّة القوائم الإنتخابية في طرابلس، فإن أيّاً منهم لم يتمكن من الفوز، وهذا ما يتطلب التوقف عنده لدى مقاربة إيجابيات وسلبيات كلا النظامين الأكثري والنسبي قبل إقرار التعديلات المقترحة على القانون الراهن.

رغم تأكيد القوى السياسيّة إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في أيار المقبل، إلّا أنّ البعض منهم دفع باتجاه التقليل من أهميّة هذا الإستحقاق نظراً إلى التحديات الماليّة الجمّة التي تنتظر المجالس المنتخبة، جرّاء الإنهيار المتمادي للعملة الوطنية وانعكاسه على الخدمات التي تقع على عاتق البلديات والتي يتطلب تسديدها وفق سعر الدولار في السوق السوداء. وهذا ما كبّد البلديات خسائر فادحة وصولاً إلى اعلان عجزها عن تأمين أبسط الخدمات كتنظيف الطرقات ومجاري المياه ورفع النفايات… ناهيك عن تسديد رواتب الموظفين والشرطة التي يزداد الطلب على تفعيل دورها وتواجدها ليلاً ونهاراً للحدّ من السرقات التي تعمّ جميع المناطق اللبنانية.

توضيحات مطلوبة

أمّا الشروع في إجراء هذا الإستحقاق فيجب أن يترافق مع بعض التوضيحات المرتبطة بالقانون والتي تتطلب من وزارة الداخلية نشر قوائم الناخبين التي سيتم اعتمادها من أجل التأكد من صحتها، والإعلان عما إذا كانت بصدد إجراء الإنتخابات في يومٍ واحدٍ على جميع الأراضي اللبنانية أو سيتم إجراؤها تباعاً وفق المحافظات، كما تحديد الموعد المقترح لإجرائها، علماً أنه يفترض بوزير الداخلية أن يعمد إلى دعوة الهيئات الناخبة في مهلة أقصاها شهران من موعد إنتهاء ولاية المجالس البلدية في 31 أيار 2023.

أمّا رسوم الترشّح، فرأى بعض المتابعين وجوب تعديل المادة 25 من القانون 665/97، أسوة بما حصل في الإنتخابات النيابيّة بعدما حدد قانون البلديات رسم التأمين للمرشحين بخمسماية ألف ليرة لبنانية تدفع لصندوق الماليّة، والرسم المقطوع لكاتب العدل بعشرة آلاف ليرة من أجل تسجيل طلب الترشيح.

كما يفترض بوزارة الداخليّة تحديد أعضاء المجالس البلدية الذين سينتخبون لكل بلدة وفقاً للمادة 24 من القانون رقم 665/97 التي أوضحت آلية تحديد أعضاء المجلس البلدي كما يلي:

– 9 أعضاء للبلدية التي يقل عدد أهاليها المسجلين عن 2000 شخص.

– 12 عضواً للبلدية التي يتراوح عدد أهاليها المسجلين بين 2001 و 4000 شخص.

– 15 عضواً للبلدية التي يتراوح عدد أهاليها المسجلين بين 4001 و12000 شخص.

– 18 عضواً للبلدية التي يتراوح عدد أهاليها المسجلين بين 12001 و 24000 شخص.

– 21 عضواً للبلدية التي يزيد عدد أهاليها المسجلين عن 24000 شخص، باستثناء ما هو وارد في الفقرة «التالية» من هذه المادة.

– 24 عضواً لبلديتي بيروت وطرابلس.

وعلى الرغم من أنّ البعض يجد في هذا الإستحقاق فرصة لإبعاد الأنظار عن الإنهيار المالي المتمادي وعجز النواب عن القيام بواجبهم الدستوري وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، تجد قوى أخرى أنّ هذا الإستحقاق كسواه من المحطات الديمقراطية، يساهم في اظهار غضب الرأي العام على المنظومة الحاكمة وهذا ما يدفع بهم إلى الشروع في إطلاق التحضيرات الجديّة والتحالفات وإطلاق البرامج الواضحة ومناقشتها مع القاعدة الإنتخابيّة، ومن خلالها الذهاب عبر هذا الإستحقاق إلى محاسبة المقصرين وإيصال أصحاب الكفاءات والخبرات بعيداً عن التحالفات التقليدية وعدم الرضوخ للمتمولين الذين يجدون في الضائقة المادية التي يمر بها المواطنون مدخلاً لشراء «الضمائر» كما السلطة المحليّة.

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …