كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
معروفٌ كيف ستبدأ جلسة مجلس الوزراء غداً بجدول اعمال يعتبره الرئيس نجيب ميقاتي مختصراً، ويعدّه حزب الله اكثر من مختصر. غير المعروف كيف ستنتهي؟ عند البند الاول او استكمال تلك التي تليه. سرّ الحكومة المستقيلة لا جلساتها فقط عند حزب الله.
لا تزال الابواب موصدة تماماً امام عودة التواصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر. كلاهما يُجرّب منذ ما بعد 5 كانون الاول المنصرم التعوّد على الاستغناء عن الآخر. مرور الوقت يساعدهما فعلاً على الاعتقاد بأن الاستغناء ممكن وقد يسهل هضمه اخيراً. ان يمر شهر ونصف شهر بلا اي اتصال ما خلا معايدة عابرة، مؤداه ان اياً منهما لن يتزحزح عن شروطه حيال الآخر.
الاهم في افتراقهما هو السؤال الآتي: ايهما يغامر بتقويض تفاهم عمّر عقداً ونصف عقد من الزمن وانتهى؟ هو اطول التحالفات منذ عام 2005. قبله كلا قوى 8 و14 آذار تزعزعا تدريجاً وتبخّرا. بدأ تفكك قوى 14 آذار بعد انتخابات 2009 وتحللت نهائياً في تسوية 2016. بدورها قوى 8 آذار لم يعد لها وجود واقعي. ثمة ثنائي شيعي يدور حلفاؤهما من حوله ليس الا. ما يقرره ينفذه الآخرون. ذلك مغزى ان لا يؤتى على ذكر قوى 8 آذار كائتلاف، كان خروج التيار الوطني الحر منه آخر علامات الاضمحلال. واقع الامر ان الثنائي اضحى القوة المتماسكة الوحيدة التي تسيّر النظام برمته.
كلا المشكلتين اللتين يجبههما حزب الله والتيار الوطني الحر بصفتهما حليفين يوشكان على الافتراق، تدوران في فلك الاستحقاقين اللذين يمسك بهما الثنائي الشيعي ويسيّرهما: حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وانتخابات رئاسة الجمهورية.
لا خطوة اساسية يقدم عليها ميقاتي في مواجهة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل تتخذ دونما التشاور المسبق مع رئيس البرلمان نبيه برّي. كلاهما اتفقا سلفاً، منذ ما قبل شغور رئاسة الجمهورية، على ادارة المرحلة التالية لحكومة تصريف الاعمال خصوصاً ما يتصل باصدار مراسيمها على نحو معاكس لما رافق تجربة حكومة الرئيس تمام سلام. بدوره حزب الله، مستفيداً من مقاطعة الوزراء الثمانية لباسيل امسك – الى اشعار آخر – بنصاب انعقاد مجلس الوزراء. اذا غاب وزيراه تعذر الانعقاد.
اقرن امتيازه هذا بشرط اضحى هو الذي يستأثر به، لا مجلس الوزراء الذي يفترض ان صلاحيات رئيس الجمهورية انتقلت اليه بفعل الشغور، ومنها الاطلاع المسبق على جدول اعمال جلسات المجلس. في الايام الاخيرة ربط الحزب موافقته على حضور جلسة غد بقصر جدول الاعمال على بند الكهرباء وحدها. مع ان حجته مبررة ومنطقية، وهي حصر البنود بالمُلحّ والضروري الذي يعني حاجات اللبنانيين، الا ان الوجه المقابل لهذا الشرط انه صار شريكاً فعلياً – وإن من بُعد – في تحديد معايير وضع جدول الاعمال وتقييم مواصفات البنود ومطابقتها لحجته تلك، والطرف الآخر الواقعي في الصلاحية المنوطة برئيسي الجمهورية والحكومة وبات يُفترض في الشغور انها بين يدي رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء وكالة.
ربما جلسة غد تعطي امثولة جديدة في الأحجام السياسية المُطبقة على حكومة ميقاتي: اذا غادر وزيرا حزب الله بعد البند الاول تُرفع الجلسة ويتأكد مجدداً انه يمسك بعنقها أم يتمكن رئيسها من التحوّط سلفاً أم يستجيب من تلقائه ارادة الحزب برفعها؟
ما يملك ان يفعله حزب الله حيال حكومة ميقاتي، يسعه ان يكون اقوى في ان يفعله بازاء انتخابات رئاسة الجمهورية. في معضلة حكومة تصريف الاعمال التي يختلف – بل يتناقض – مع باسيل على مقاربة طريقة التعاطي معها وتقبّلها واقعياً، الا انه يُصوّب كذلك نحو ميقاتي للحؤول دون مغالاته في الاستئثار بما ليس له ان يملكه. اما في الاستحقاق الرئاسي، فالتباين مع باسيل اقرب الى اصطدام غير معلن.
ليس الاشتباك الدائر من حول انتخابات رئاسة الجمهورية والاستغراق في شغور لا احد يعرف مداه سوى تكرار تجربة 2014 – 2016. بانقضاء شهرين ونصف شهر على الشغور وامرار عشر جلسات لانتخاب الرئيس دونما الانتخاب، لا مرشح معلناً لحزب الله مع ان لديه مرشحاً. هو لغز الاستحقاق الحالي وادارته على نحو مغاير لما رافق شغور السنتين ونصف السنة قبلاً. آنذاك لم يُرِد الحزب الجهر بترشيحه الرئيس ميشال عون مفضّلاً توجيه المعركة الانتخابية نحو ايصاله الى رئاسة الجمهورية بالتزام الصمت، بيد انه نزل عند رغبة رئيس تكتل التغيير والاصلاح لاطلاق مسار جديد للاستحقاق انتهى في نهاية المطاف بعد وقت قياسي الى انتخابه.
في الاستحقاق الحالي معالجة مختلفة يعلم بها مرشحه الفعلي النائب السابق سليمان فرنجيه وموافق عليها. شروطها ثلاثة:
1 – لا مرشح لحزب الله، وتالياً لرئيس البرلمان، سوى الزعيم الزغرتاوي. بيد ان الحزب لن يُرشحه في اي من الاوقات اللاحقة وإن اضحى الترشيح في صدارة الحدث. سينتظر الى ان يُنتخب دونما ان يعلن رسمياً ترشيحه. لكنه كذلك.
2 – لا يجد حزب الله نفسه محرجاً او مقيّداً بمدة معينة ترغمه اخيراً على الاستدارة عن خياره الحالي. ايا تطلّب زمن الانتظار، سنتان ونصف سنة او اكثر، سيتمسك بترشيح فرنجيه الى ان يُنتخب. لا بديل منه لديه مع افرقاء الداخل. وقد لا يكون بالسهولة المتوخاة التخلي عنه اذا دُعي الى التفاوض مع الغرب.
3 – المحسوب بعناية لدى الحزب انه سيفعل مع فرنجيه ما فعله مع عون. ان يتركه مرشحاً الى ما شاء الله ولن يربكه بـ«التيئيس» بمرور الوقت كي يتخلى من تلقائه. كلاهما، فرنجيه بعد عون، ليسا من طراز السريعي العطب في لحظات اليأس واول المستسلمين.
خلافاً لظنٍّ شائع لم يكن عون، وكذلك فرنجيه في المرحلتين الحالية والمقبلة، عبئاً ثقيلاً على الحزب وهو يتحمّل وزر تأخير انتخابات الرئاسة وعرقلة الجلسات امس واليوم. منذ تجربة الرئيس السابق في الحكم الى جانبه، صار حزب الله معنياً بالرئاسة المقبلة اكثر من ذي قبل. هي، كسلاحه ورئاسة البرلمان، احد مقومات الاستراتيجيات الحتمية للمقاومة.
4 – لا ريب في ان حزب الله يعرف تماماً ان رأس جبل الجليد في خلافه مع باسيل، في الاستحقاق كما في الملفات المُستطرَدة والمتفرّعة منه ومنها الحكومة، يكمن في دعمه انتخاب الزعيم الزغرتاوي الذي يرفضه رئيس التيار الوطني الحر ويوحي بأنه مستعد للذهاب الى مجازفات شتى في سبيل الحؤول دونه ومنعه.