جاء في “الأخبار”:
لم يختلط الأمر على أحد. قرار إقفال المدارس بعد الظهر ليس عنصرياً ولا يستهدف التلاميذ السوريين، بقدر ما يستهدف الجهات المانحة التي تتحمّل مسؤولية تأمين التعليم للسوريين. هذا ما يؤكد عليه معظم مدراء المدارس الذين سألتهم «الأخبار» عن إعلان المدير العام لوزارة التربية عماد الأشقر أول من أمس «توقف الدروس بعد الظهر في المدارس الرسمية لغير اللبنانيين عملاً بمبدأ المساواة». وبرّر الأشقر «نحن نستقبل جميع الناس وقلوبنا مفتوحة للجميع، لكن لا يجوز ألا يتعلم أبناؤنا، وأن يتعلم أولاد غيرنا، وبالتالي نعلن توقف الدروس في مدارس بعد الظهر لغير اللبنانيين إلى حين التوصل إلى حل لمسألة التعليم ما قبل الظهر».
ظروف الأساتذة نفسها
يُجمع عدد من مدراء المدارس على أنه «من غير المنطقي أن تُفتح المدارس بعد الظهر بينما هي مقفلة قبل الظهر، في حين أن الظروف التي يواجهها الأستاذ واحدة. فكيف لا يستطيع الوصول إلى مدرسته صباحاً ويستطيع ذلك بعد الظهر؟ الأجر نفسه، ولا حوافز».
ويؤكدون أن وقف تعليم السوريين ليس قراراً تعسفياً «بل للضغط على الجهات المانحة للمساعدة، لأننا لا نستطيع أن نعلّمهم من جيوبنا»، لافتين إلى أنّها لا تدفع لصناديق المدارس، ولم تحوّل أيّ مبلغ منذ شهرين، «فكيف يمكن تأمين المازوت لصفوف بعد الظهر التي تفرض تأمين الكهرباء؟ وكيف تُؤمن الكتب؟ المفروض أن يؤمن هذه الاحتياجات الطرف الذي تعهد بتمويل تعليمهم».
لا ينفي المدراء وجود «هدر وخلل في مكان ما في الوزارة لكن الجهات المانحة تجاهلتنا تماماً. لم تؤمن قرطاسية للتلامذة ولا للمدارس، وتقول للأهالي إنها فعلت محرّضة إياهم علينا مستغلة موضوع التنازع الإداري في الوزارة على إدارة ملف دوام بعد الظهر. يقول لنا الأهالي أنتم تقبضون كل شيء من الأمم، وكأنه لا فضل لنا».
فصل الملفات
من جهته، يصف أحد المطّلعين على الموضوع الأمر بـ«المعقّد». من جهة هو يتفهم أن يكون القرار نوعاً من الضغط على الجهات المانحة، «خصوصاً أن الأخيرة فتحت لهم الباب عندما ساهمت سابقاً في دفع جزء من نفقات المتعلّم اللبناني في دوام قبل الظهر»، لكن من جهة ثانية «هي جهات مانحة للنازحين السوريين وهم مسؤوليتها، أما الدولة اللبنانية فمسؤولة تجاه معلّميها وتجاه تلاميذها». ويصف ربط الملفين أحدهما بالآخر بـ«السابقة. يجب أن يكون الملفان منفصلين كلياً وليست مسؤولية أي جهة ثانية أن تحلّ لنا مشاكلنا. نحن لسنا رعايا عند الجهات المانحة لكي تتكفل بنا، لكن هذا ما يحصل عندما تكون الدولة مقصّرة وفاشلة».
خرق قانوني
قانونياً، وبحسب الباحثة ملاك حمية، يشكل هذا القرار «خرقاً للمواثيق والمعاهدات الدولية التي تنصّ على الحق المقدّس بالتعليم، ولا سيما المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 28 من اتفاقيّة حقوق الطفل، ولاتّفاقيّة اليونيسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في 14/12/1960، وصادق عليها لبنان بموجب القانون الرقم 17 تاريخ 19/2/1964، إذ منعت المادة الأولى من هذه الاتفاقيّة أيّ تمييز أو استبعاد أو قصر أو تفضيل على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الحالة الاقتصادية ، يقصد منه أو ينشأ عنه إلغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم أو الإخلال بها، وخاصّة حرمان أي شخص أو جماعة من الأشخاص من الالتحاق بأي نوع من أنواع التعليم في أي مرحلة. كما أوجبت المادة الثالثة من هذه الاتفاقية على الدول الأطراف إزالة ومنع قيام أي تمييز في مجال التعليم، وبأن تتعهّد هذه الدول بإلغاء أيّ أحكام تشريعية أو تعليمات إدارية وبوقـف العمل بأيّ إجراءات إدارية تنطوي على تمييز في التعليم، وبأن تتيح للأجانب المقيمين في أراضيها نفس فرص الالتحاق بالتعليم التي تتيحها لمواطنيها».
المستعان بهم: لم نقبض بعد
شارك الأساتذة المستعان بهم بعد الظهر، وهم المعنيّون بتعليم التلامذة السّوريين، في الاعتصام الحاشد أمام وزارة التربية أمس. لكنهم أسفوا لعدم إتاحة المجال أمامهم لعرض قضيتهم، فـ«هناك أعداد غير قليلة منهم لم تقبض مستحقات الفصلين الأول والثاني عن العام الماضي» بحسب إبراهيم خليل، عضو اللجنة المتابعة لأوضاعهم.
يتكلّم خليل عن إجحاف كبير يصيبهم، تتحمّل مسؤوليته وزارة التربية واليونيسف على حدّ سّواء، فالمنظمة الدولية الأخيرة «كانت تدفع 80 مليون دولار سنوياً لتعليم السّوريين في لبنان قبل الأزمة الاقتصادية»، أمّا السّنة الماضية فـ«خُفّضت قيمة حصة الأستاذ من 13.3 دولاراً إلى 40 ألف ليرة». وهذه السّنة خضعت الحصة للمزيد من التنحيف، إذ «سيدفعون 3.5 دولارات على الحصة، والوزارة لن تسلّم إلّا 100 ألف عن الحصة، ومتأخرةً، ما يؤدّي إلى فقدان الأموال قيمتها الشرائية». ويذكر خليل «أنّهم توقفوا عن التعليم قبل قرار المدير العام للتربية عماد الأشقر القاضي بإقفال مدارس بعد الظهر»، فهم «لا يعرفون شيئاً عن مستحقات الفصل الأول لهذا العام، ولا نعرف المسؤول عن الموضوع لمراجعته».