كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
نهاية العدوى ليست نهاية كوفيد 19 بالنسبة إلى بعض الذين أصيبوا به، فـ«ـمتلازمة ما بعد كوفيد»، أو «كوفيد طويل الأمد» تتمثل في قائمة طويلة من العوارض، قد تمتدّ الإصابة بها إلى شهور بعد التعافي من الفيروس، ولا تترك تقريباً أيّ عضو في الجسم إلّا وتمرّ عليه. يصف اختصاصي أمراض تنفسية الأمر بقوله «كأنّ الفيروس يصيب عدّة أعضاء في الجسم لا الجهاز التنفسي فقط»، ويضيف «إنت وحظك، إذ لا يوجد معايير محدّدة يمكن الاستناد إليها لمعرفة من سيصاب بمتلازمة ما بعد كوفيد في مرحلة التعافي».
كورونا لا ينتهي
لم تعانِ ليلى من عوارض شديدة بعد إصابتها بكوفيد 19، لكنّها فقدت حاسة الشم لفترة تجاوزت الشهر بعد التعافي، وعندما عادت الحاسّة كانت «رائحة كلّ شيء مشابهة للخلّ». علي أيضاً لم يستعد حاسة الشمّ الطبيعية عنده إلّا بعد مرور نحو ثلاثة أشهر من التعافي والتدريب اليومي على الروائح لـ«إعادة تنشيط ذاكرته المتعلقة بالشّم» وفق طبيبه. أما ناديا، فتقسم حياتها إلى جزءين: «ما قبل كورونا، وما بعدها»، بما أنّها لم تتعافَ بعد بشكل تام، ويبدو ذلك واضحاً من نفَسها المقطوع بين الكلمات، وتفيد بأنّ «استخدام الدرج للوصول إلى البيت بات كابوساً، فصعود طبقة واحدة كافٍ لقطع أنفاسي». يتكرّر الأمر مع شادي، الشاب ذي الـ 26 ربيعاً، الذي يعاني إلى اليوم، بعد 8 أشهر على خروج الفيروس من جسده من خفقات قلب سريعة، وتعب، وأوجاع متفرقة في العضلات، بالإضافة إلى التشوّش الذهني الذي يخيفه، ويدفعه إلى زيارة مختلف أنواع العيادات التي اتفقت على أنّه يعاني من الآثار طويلة الأمد لكوفيد 19.
وتأخذ هذه العوارض مع دلال، أستاذة مادة الاجتماع للمرحلة الثانوية، منحى أكثر خطورة، «ما بعد الإصابة لم أعد أتذكر تفاصيل مهمة في حياتي اليومية»، وتضيف «في إحدى المرّات نسيت فرن الغاز شغالاً بعد الانتهاء من استخدامه»، ما دفعها إلى طلب إجازة مرضية لمتابعة حالتها مؤكدة أنّها «لن تدخل إلى الصفّ إذا لم تتذكّر أسماء كلّ طلابه». وبعد إجراء عدد لا يحصى من الفحوصات والصور الشعاعية، تبيّن أنّها سليمة عضوياً، وتتابع بعض العلاجات الدوائية، و«تتعامل مع ذاكرتها كالأطفال، إذ تجبر نفسها على تذكّر التفاصيل اليومية بغية إعادة تمرينها».
العوارض الممتدة بالأرقام
تؤكّد الأرقام الحالات السابقة، فوفق دراسة منشورة في المجلة الوطنية للطب «يعاني 40% من المصابين بكوفيد 19 من عوارض ما بعد التعافي»، وتشمل أكثر من 20 عارضاً، منها ما هو خطير ويستلزم المتابعة كالتشوّش الذهني، ومنها العابر العادي كفقدان حاستَي الذوق والشمّ، «أمّا أكثرها شيوعاً فهو التعب، بنسبة تصل إلى 72% من المتعافين»، وفق الدراسة ذاتها، «يليه عارض ضيق التنفس بنسبة 40%، وتحوز المشاكل المرتبطة بالعقل نسبة 26%، وآلام الصّدر 22%، وفقدان حاستَي الشمّ والذوق 11%». وتشير الدراسة أيضاً إلى أنّ «أكثر من ثلث المرضى الذين يعانون من آثار كوفيد المزمنة لديهم مشاكل صحيّة سابقة، وأمراض مستعصية مصاحبة للإصابة بالفيروس مثل الضغط والسّكري»، بالإضافة إلى أنّ «نسبة الذكور المصابين بكوفيد طويل الأمد أعلى من نسبة الإناث، إذ تبلغ الأولى 52.3%، والثانية 47.7%» بحسب الدراسة ذاتها.
ودفعت «متلازمة ما بعد كوفيد» رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريوس إلى انتقاد «سياسة مناعة القطيع» التي اعتمدت في بعض البلدان، ما تسبّب في ارتفاع عدّاد الإصابات، وبالتالي زيادة في الأشخاص الذين سيعانون من آثار كوفيد المزمنة.
الفيروسات متشابهة
ولكن كوفيد لا يمثل استثناءً، إذ نعرف عدداً من الفيروسات التي تتسبّب بأعراض طويلة الأمد، مثل الانفلوانزا، وفيروس شلل الأطفال الذي تعود عوارضه للظهور لدى 80% من المتعافين منه، وبعد مرور سنوات من الإصابة. وتخلص دراسة منشورة في مجلة الجمعية الطبية الأميركية إلى «استمرار الأمراض العقلية والتعب لدى 40% من المتعافين من السّارس لمدة تقارب الأربع سنوات»، وتضيف الدراسة إنّ «بعضهم لم يعد إلى صحته بشكل كامل»، ويعدّ الفيروس المتسبّب بـ«السّارس» السّلف الأول لكوفيد، إذ ظهر في عام 2003 واختفى خلال سنة واحدة بعد إصابة الآلاف.
التفسير الطبي
ووفق اختصاصي الأمراض الجرثومية الدكتور عبد الرحمن البزري «لا مؤشرات تساعد على معرفة من سيصاب بهذه العوارض الممتدة». وفيما يشير إلى أنّ «مدّتها تتراوح من أيام إلى أشهر»، يوضح أن العلاج «يتنوّع بحسب كلّ عارض».
حتى اللحظة، «لا يوجد تفسيرات طبيّة قطعية تفسّر هذه العوارض الممتدة»، بحسب فريق من الباحثين العاملين عليها منذ حوالي سنة، ولكن «هناك فرضيات متنوعة، منها تجلّطات الدم التي تتكوّن وتؤذي أعضاء الجسم خلال فترة الإصابة، والتي تمّ رصدها خلال تشريح بعض جثث المتوفّين خارج لبنان»، بالإضافة إلى «الانفعال الزائد لجهاز المناعة، الذي يؤدّي إلى مضاعفات حساسية، وأمراض مناعية لاحقاً»، كما أنّ الإصابة بكوفيد تؤدّي إلى «إضرابات في النظام اللمفاوي، الذي يشكل شبكة أوعية في الجسم تقوم بمهام أساسية في الجهاز المناعي»، ويختمون بأنّ «الحلّ الأفضل لكوفيد طويل الأمد هو تجنّب الإصابة أساساً بالفيروس».