كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
منذ قبول المجلس الدستوري الطعن بنيابة رامي فنج لإعادة المقعد إلى فيصل كرامي، طُرحت تساؤلات عدّة حول مصير لقاء النواب الطرابلسيين وعما اذا كان كرامي سيشارك هؤلاء في اجتماعاتهم؟
واقع الأمور ومسارها كان يرجّح الاحتمال السلبي بمعنى عدم المشاركة. فالنائب أشرف ريفي الذي لا تجمعه الكيمياء السياسية مع كرامي، سارع إلى الوقوف إلى جانب فنج ورأى في القرار محاولة لتزوير إرادة اللبنانيين عامة والطرابلسيين بشكل خاص. كما شاركه في اللقاء الذي عقده الأخير في الرابطة الثقافية بعد قرار المجلس الدستوري. مواقف ريفي هذه كانت كفيلة بالردّ على تلك التساؤلات، وبالتالي بات مفهوماً غياب كرامي عن اجتماع النواب بعد قرار الطعن، في حال كان ينوي بالفعل الإنضمام إلى مثل هذه الإجتماعات… مع العلم أنّ كرامي سبق له أن أعلن عن نيّته تشكيل جبهة نيابية سياسية تضمّ نواباً شماليين وغير شماليين أيضاً، ويبدو أنّ الإتصالات بشأنها قطعت شوطاً متقدّماً، ومن المفترض أن يكون الإعلان عنها بعد الأعياد.
قد يكون كرامي، سواء من خلال تشكيل الجبهة أم من خلال أدائه السياسي الجديد المتمايز، يسعى لايجاد حالة سياسية لنفسه انسجاماً مع تاريخ عائلة آل كرامي السياسي، كمرجعية طرابلسية وشمالية وحتى وطنية. ومن هذا المنطلق يمكن فهم نأيْه بنفسه عن اجتماعات نواب طرابلس لبحث مشاكل المدينة. فهو وبعد استعادته مقعده النيابي، يحاول التواصل مع بعضهم كلّ على حدّة.
وعلى كل حال، هو ليس الوحيد الذي يغرّد خارج هذا السرب، فالنائبان كريم كبارة وطه ناجي تخلّفا عن حضور بعض الإجتماعات، وهو حال آصف ناصر النائب العلوي الذي أحلّه الطعن مكان فراس السلوم. ومن غير المستبعد أن نرى الثلاثة مع كرامي في الجبهة، ما يترك أكثر من علامة استفهام حول مصير لقاء النواب الذي لا ترى أوساط مشاركين فيه أنه استطاع بالفعل إيجاد الحلول للكثير من الأزمات الطرابلسية التي حاول معالجتها.
إذاً، كرامي العائد إلى النيابة والزعامة الطرابلسية، يملك في جعبته السياسية انفتاحاً أكبر على أطراف الداخل، ما عدا “القوات اللبنانية”. ويمكن فهم ما يقوم به من مشاورات ولقاءات التي ستتكثّف بعد الأعياد في ذات الإطار ومن ضمنها اللقاء الذي جمعه أمس الأول مع نائب صيدا عبد الرحمن البزري، وسط حديث عن احتمال انضمام البزري إلى هذا اللقاء النيابي الذي سيضم شخصيات سياسية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
وإلى جانب أطراف الداخل، يأتي كرامي متسلّحاً بعلاقة مع المملكة العربية السعودية تطوّرت بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية وقد زار سفيرها وليد البخاري أكثر من مرة دارة كرامي في طرابلس، كمؤشّر جديد على تطور العلاقة بين الطرفين، حتى وصل الأمر بالبعض إلى الإعتقاد بأن كرامي سيكون رئيس حكومة ما بعد انتخابات الرئاسة في لبنان والسعودية لن تمانع بذلك.
وترى أوساط كرامي أنه “لن يكون في أي اصطفاف سياسي حالي لأنّ البلاد لم تعد تحتمل أي نوع من النكد السياسي، بل يسعى لتشكيل جبهة سياسية ستكون مفاجأة للجميع بالأسماء التي ستضمها، وستكون بعيدة عن الإصطفافات ولها ميزتها وتأثيرها وطروحاتها الوطنية أيضاً، وستحاول التصدي لكل الأزمات التي يمرّ بها البلد على كافة المستويات، وعلى رأسها الأزمة الدستورية المتمثّلة بالفراغ في سدّة الرئاسة، وبعدها تشكيل الحكومة وغيرها من الملفات المطروحة”.
وتضيف الأوساط “من المفترض أن يقوم كرامي بعد الأعياد بجولة على المرجعيات الوطنية وبمروحة من اللقاءات والإتصالات لتقريب وجهات النظر للوصول إلى التوافق في موضوع رئاسة الجمهورية، فهو يؤمن بأن الرئيس الجديد يجب أن يكون توافقياً يجمع اللبنانيين من حوله”.
وعن العلاقة مع السعودية ترى أوساط كرامي أنها “لطالما كانت مميزة وستبقى ونحن نتفق مع المملكة على جميع طروحاتها لناحية الإصلاح والخروج من الأزمة، لا سيما لجهة نهائية لبنان الوطن العربي الجامع لكل أبنائه، وثوابت اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب ويجب أن يُستكمل تطبيق كافة بنوده، إلى جانب الإصلاحات التي يجب أن تقوم بها الحكومة اللبنانية لوقف الهدر والفساد تمهيداً للحصول على دعم أشقائنا العرب”.
يحاول كرامي العائد إلى النيابة أن يجد لنفسه حالة سياسية أبعد حتى من حدود طرابلس والشمال، يتمايز عن الحلفاء والخصوم معاً في ملفات ويتقارب في ملفات أخرى. ثمة من يرى أنّ عودته ستشتّت شمل نواب طرابلس الذين اجتمعوا لمرّات عدة ولو لم تحقّق هذه الإجتماعات النتائج الكبيرة الملموسة؛ في المقابل يرى آخرون أن عودته للعب دوره السياسي ستعيد التوازن المفقود في الواقع السياسي الطرابلسي.