كتب وليد شقير في “نداء الوطن”:
أضيفت جريمة مقتل الجندي الإيرلندي العامل في «اليونيفيل» إلى الاختبارات التي يخضع لها لبنان لمناسبة الاستحقاق الرئاسي، وإعادة تكوين السلطة فيه التي ينتظر المجتمع الدولي أن تتلاءم مع المقاييس التي تتيح له دعمه وانتشاله من المأزق الذي هو فيه.
لأنّ الدول المعنية بلبنان تعتقد أنّ أي تصويب لسلوك الحكم اللبناني لا يتم بالقوة، في بلد تتداخل فيه العوامل الداخلية والطائفية مع التناقضات الإقليمية، ولأنّ استخدام القوة يعني التورط في إراقة الدماء، التي لا يحتملها لبنان ولا ظروف المنطقة، فهي تطلق المناشدات للبنانيين أن يقوموا هم بهذا التصويب، من تلقاء أنفسهم. وحين تُردد أكثرية الدول أنّ الاستحقاقات المفصلية شأن اللبنانيين، وتتجنب في ما يخص الرئاسة إقحام نفسها في الأسماء، فلأنّها لا تملك القوة التي تمكنها من فرض الرئيس الجديد. ومن المؤكد أنّها إذا فضلت اسماً معيناً لا تستطيع فرضه، طالما أنّ هناك فريقاً قادر على تعطيل انتخابه، حتى لو تأمنت له الأكثرية النيابية.
قتل الجندي الإيرلندي، مهما كانت مقاصده أو من يقف وراءه، سواء كان رسالة تتعلق بالموقف الدولي في لبنان، أم كانت دلالته محلية بحتة لانتشار السلاح، يؤشّر رغم ذلك، إلى أنّ استخدام القوة والعنف ما زالا بالحد الأدنى، وسيلة تحط من بديهيات دور الدولة والسلطة. ومع أنّ البعض يرى أنّ هذا الاستنتاج هو تأكيد للمؤكد ولا يحتاج إلى عبقرية للتوصل إليه لأن لبنان يسير على هذا المنوال منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، وأنّ السلطة مهيضة الجناح فيه منذ عقود، فإنّ من يعتبرون قتل الجندي الإيرلندي اختباراً جديداً يضاف إلى امتحان القدرة على الإصلاحات ووقف الفساد والهدر من أجل مساعدة لبنان، يعتقدون أنّ مرور الجريمة من دون توضيح السلطات اللبنانية تفاصيلها سيكون له أثره على الموقف من هوية التركيبة الحاكمة في المرحلة المقبلة في البلد.
حادثة العاقبية تعيد إلى الواجهة مبدأ مواجهة الإفلات من العقاب، الذي فرضت الأزمة المالية الاقتصادية تراجع الحديث عنه في المرحلة الأخيرة، نظراً إلى أن المجتمع الدولي واللبنانيين أعطوا الأولوية للتدهور الذي أصاب معيشتهم اليومية، وصارت المحاسبة مطلوبة بالنسبة إليهم، لمن سرق ودائعهم ونهب أموالهم وأهدر مستقبلهم…
وسط الأحاديث والمعلومات والتسريبات الكثيرة التي تحتاج إلى توثيق وتأكيد عن وقائع مقتل الجندي الإيرلندي، وما يحكى عن تواري الفاعلين عن الأنظار، سواء حصل ما حصل في شكل غير مقصود، أم بطريقة مدبّرة ومخطط لها، فإنّه يصعب على بعض الأوساط الاعتقاد بأنّه لن يكون للحادثة وتفاعلاتها تأثير في اختبارات الخارج للبنان والسلطة فيه.
يبدأ ذلك بالتساؤل حول ما ستؤول إليه نتائج التحقيقات اللبنانية الرسمية وحول موقف حكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي. وفي رأي الأوساط التي ترصد منذ الآن الآثار السياسية للجريمة وخصوصاً على الوجهة التي تسلكها التحقيقات، أن التأخّر في كشف الملابسات يطرح التحدي على هذه الحكومة وعلى ميقاتي اللذين عليهما أن ُيظهرا مدى الجدية في التعاطي مع أمر خطير حصل ضد قوات «اليونيفيل»، بحيث لا يقف الأمر عند زيارة مقرها في الناقورة للتعزية. ولهذا له حسابات مستقبلية على الأرجح حول تركيبة السلطة وإعادة تكوينها.
وفي خصوص انعكاس هذا الاختبار على انتخابات الرئاسة، فإن هذه الأوساط تسأل عما إذا كان إخفاق الجيش في كشف الملابسات، وفي توقيف ولو مشتبه فيه واحد أو أكثر، بالضلوع في العملية، سيبقي ترشيح قائده العماد جوزاف عون متقدماً بين أسماء المرشحين للرئاسة، إذا كان عنوان تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب سيكون في الواجهة… وعدم توضيح ملابسات الجريمة سيكون محرجاً له ولمؤيدي خيار ترجيح كفته للمنصب الأول.