كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
منذ نحو 3 أسابيع حصلت جمعية الصناعيين في لبنان على إذن من وزارة الطاقة والمياه لاستيراد المحروقات من الخارج وفق سعر صرف السوق السوداء. ومنذ ذلك الحين والصناعيون يتعاملون مع الشركات المستوردة للمحروقات المعتمدة في لبنان التي تزودهم بكمية المازوت غير المدعومة التي يحتاجونها، ولحقت بهذا الإجراء المؤسسات الفندقية فجمعية تجار بيروت وذلك ضمن القرار 169 الصادر عن وزارة الطاقة والمياه لاستيراد المحروقات بهدف التمكن من فتح أبوابهم ومزاولة عملهم. فهل سيزيد هذا الأمر من الطين بلة في زيادة أسعار السلع الغذائية المصنّعة محلياً؟
طبعاً استيراد الصناعيين المحروقات مباشرة، “سهّل حياتهم”، لجهة معالجة مرض الشحّ في مادة المازوت، إلا أن لهذا الأمر تكاليف منها بسيط وأخرى تصل الى أكثر من ثلث كلفة إنتاج السلعة الواحدة. لم تتّضح لغاية اليوم معالم تلك الزيادة أو لم يتمّ لحظها في ظلّ فوضى الأسعار وارتفاعها الدائم حتى ولو استقرّ أو تراجع سعر صرف الدولار.
في هذا السياق أوضح رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل خلال حديث مع “نداء الوطن” أن “استخدام أصحاب المصانع للمازوت غير المدعوم يؤثر على أكلاف الصناعيين حسب القطاعات، وتبدأ عادة بنسبة 3 او 4 % وتصل الى نسبة 35 % للصناعات البلاستيكية والزجاجية وتدوير الورق… وتلك تعتبر قطاعات أساسية كونها تدخل في صناعات اخرى. فالزجاج على سبيل المثال يؤثر على الصناعات الأخرى اذ يستخدم للتعبئة في الصناعات الغذائية. أما تدوير الورق فيستعمل في تجليد الكتب، وصناعة الكرتون المضلّع يستعمل في الزراعة والصناعة وفي تغليف العلب الصناعية الصغيرة التي تودع فيها أيضاً المواد الغذائية”.
ولم يلمس اليوم المواطن زيادة تلك الإكلاف للقطاعات الأساسية ولكن قد نلحظها في مرحلة لاحقة، وفي هذا السياق أكّد الجميّل أن “كل الصناعة المحليّة ستتأثّر لا سيما أكلاف الطاقة المكثّفة عندما تشكّل نسبة 30 أو 40% من سعر المبيع الأمر الذي يتطلب معالجة”.
آلية الإستيراد
وحول آلية استيراد المازوت عبر الشركات المتخصصة، أوضح أنه “يمكن لكل صاحب معمل استيراد الكمية التي يريدها منفرداً وذلك من خلال تواصله المباشر مع إحدى الشركات المستوردة للمازوت”. اما الأسعار فأشار الى أن “وزارة الطاقة والمياه حدّدتها اسبوعياً ضمن جدول الإستيراد للتصدير وليس جدول أسعار المحروقات المدعوم الذي يصدر اسبوعياً ايضاً، وبالنسبة الى السعر فحددته “الطاقة” وفق أحدث جدول بـقيمة 540 دولاراً للألف ليتر باستثناء مصاريف التسليم والتوزيع”.
وشدّد الجميّل في ظلّ الوقت الراهن على التالي:
– ضرورة دعم القطاع الصناعي في حال تم تقديم دعم لقطاعات أخرى، نظراً الى الدور الحيوي الذي لعبته الصناعة المحلية، اذ لمسنا في ظلّ الأزمة خبرتها وطاقاتها ومدى فعاليتها.
– وضع آليات على المدى الطويل تسمح للصناعيين باستعمال الطاقة البديلة لتوفير استخدام الطاقة التي تتطلب استثمارات والدولار الـ”فريش”.
واعتبر أن “القطاع الصناعي بالمطلق اليوم هو على مفترق طريق، من ناحية لدينا طاقات وإمكانيات، حتى أن علامات عالمية وتحديداً غذائية بدأت تصنع في لبنان، ومن جهة أخرى يجب أن نقطّع المرحلة الصعبة التي نعيشها اليوم للتمكن من الإستمرار. اذ أن معامل وقطاعات عدة تجد صعوبة اليوم في العمل، من هنا أهمية إيجاد حلول اقتصادية إجتماعية على مستوى الإقتصاد ككل باعتبار الصناعيين فاعلين اقتصادياً ويعتمدون على تحسين القدرة الشرائية التي يجب تحسينها، علماً أن أسعار الصرف المتقلّبة والمتنوّعة “تخربط” عملية التبادل التجاري”.
ففاتورة الإستيراد تبلغ سنوياً ملياراً و400 مليون دولار مقابل نسبة تصنيع محلياً ضعيفة جداً، من هنا تبرز أهمية تعزيز الإنتاج المحلي، ما سيخففّ الكلفة على المواطن ويخلق فرص عمل اضافية ويزيد القدرة الشرائية المتآكلة أصلاً ويَقلب العجلة الإقتصادية المتوقفة التي بدأ يتآكلها الصدأ”.
11 مليون دولار
وبالنسبة الى الإجتماع الذي عقد بين وزير الصناعة عماد حبّ الله وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والصناعيين امس الأول حيث تمّ التداول في تسديد البنك المركزي الأموال للمورّدين من الخارج لشحنات موجودة في المرفأ، أوضح الجميّل أن “تلك الأموال تأتي ضمن الـ100 مليون دولار المخصصة من مصرف لبنان سابقاً في سياق التسهيلات التي منحت للصناعيين للاستيراد من الخارج”. وأوضح أنه “تمّ استخدام نصف مبلغ المئة مليون دولار، وقيمة الـ 11 مليون دولار التي يطالب الصناعيون “المركزي” تسديدها اليوم سبق أن اعطى البنك المركزي الموافقة عليها منذ أكثر من 4أشهر، إلا أنه لم يحوّل الأموال الى الخارج. ولكن بناءً على الثقة والعادة المعتمدة تمّ إرسال البضاعة من المورّدين، ولا تزال راكنة في مرفأ بيروت بانتظار تسديد الأموال المترتبة لهم، ليتمّ بعدها إعطاء الصناعيين البوالص للتمكن من سحبها من المرفأ”.
اذاً الصناعيون مثلهم مثل سائر القطاعات الإقتصادية يسيرون على طريق معبّد بالصعوبات ويزاولون عملهم بصعوبة محاولين قدر الإمكان تلبية حاجات السوق في بيئة سياسية وإقتصادية سوداوية. فالصناعة اللبنانية أثبتت مهارتها، لكنها رغم ذلك تحتاج الى إزالة المعوقات وابرزها تقلب اسعار الدولار لتلمع اكثر، والى إيجاد حلول إقتصادية متكاملة لـ”تلحقها طرطوشة” فنتوصّل يوماً الى تحقيق الإكتفاء الذاتي لحاجاتنا فتتقلص فاتورة الإستيراد الى مستوياتها الدنيا.