كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
يزداد الاستحقاق الرئاسي تعقيداً على المستويين الداخلي والخارجي بنحوٍ يُظهر أنّ الفراغ في رئاسة الجمهورية لم تدنُ نهايته أو يجهز “سيناريو” خاتمته بعد. داخلياً، انتقل “حزب الله” الى أسلوب مختلف تصاعدياً لإقناع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في دعم مرشحه الرئاسي رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية، فبدأ الخطوات الضاغطة على “حليف مار مخايل” من بوابة السراي الحكومي. أمّا خارجياً، فلا يشكّل الملف الرئاسي “حالة طارئة” بالنسبة الى الدول المعنية، بحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة، إذ تجرى مقاربته انطلاقاً من مصالح الدول هذه وأجنداتها التي تتصدّرها أولويات عدة قبل الوصول الى الملف اللبناني ومن ضمنه انتخاب رئيس للجمهورية.
إذاً، لم يحن وقت نزول جميع الأفرقاء عن شجرة “العنتريات” الرئاسية الى أرض التسوية. “حزب الله” سيخوض معركة فرنجية “للآخر”، ويرفض البحث في أي اسم آخر، بل يريد إيصال مرشحه ضمن تسوية مع سائر الأفرقاء تضمن لهم هواجسهم ومطالبهم. هذه التسوية لا تزال مرفوضة من “المعارضة السيادية” التي وإن كانت تعلم أنّ مرشحها النائب ميشال معوض لن ينجح في الوصول الى سدة الرئاسة الأولى، إلّا أنّها “مطمئنة” الى الخطة الرئاسية التي انتهجتها، معتبرةً أنّ الواقع القائم داخلياً وخارجياً، لا يسمح بوصول فرنجية.
“إطمئنان” المعارضة هذا ينطلق من أنّ هناك موازين قوى في الاستحقاق الرئاسي، لا تميل كفّة أي منها لصالح “حزب الله” ومرشحه فرنجية. في ميزان القوى الخارجي، إيران ليست متصدّرة بل في وضع مأزوم نتيجة الاحتجاجات الداخلية وتعثُّر المفاوضات النووية. ووفق حركة الاتصالات، يظهر أنّ الدول الخارجية المنخرطة في الملف الرئاسي فعلياً، هي: الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية. وعلى رغم أنّ هناك تنسيقاً مع طهران تتولّاه باريس في شأن الملف الرئاسي اللبناني، إلّا أنّ طهران الأضعف في المعادلة الخارجية، وبالتالي لن تكون الدولة الأضعف، هي المقرّرة في الشأن اللبناني. وفي ميزان القوى الداخلي ليس “حزب الله” المقرّر في كلّ تفاصيل الحياة السياسية، وميزان القوى البرلماني، وهو الأساس والمباشر في عملية انتخاب الرئيس، لا يسمح لا للموالاة ولا للمعارضة بالإتيان برئيس.
إنطلاقاً من موازين القوى هذه، تقرّ مصادر سياسية معارضة، أنّه لا يُمكن إنتاج رئيس لا يستطيع أن يزاوج بين الفريقين السياسيين في البلد. فلا الفريق المعارض يُمكنه أن يأتي برئيس ضدّ فريق “حزب الله” ولا “الحزب” قادر على فرض مرشحه. وبالتالي يجب الذهاب الى رئيس يبدّد هواجس الطرفين ويشكّل جوامع ومشتركات بينهما. بناءً على هذا الواقع، لا يمكن لـ”حزب الله” أن يأتي بفرنجية رئيساً، بحسب جهات مسيحية معارضة، وإذا تمكّن من إيصاله، “سنكون في موقع المعارض للعهد”، ففرنجية ليس متلوناً أو متبدلاً أو متغيراً، وليس “حالة عونية” كانت تؤيّد القرار 1559 ثمّ أنتجت “تفاهم مار مخايل” وكانت ضد السلاح غير الشرعي وباتت مع سلاح “الحزب”، بل إنّه مع خط المقاومة والممانعة تاريخياً، ويؤكد أنّه باقٍ في هذا الخط ومع هذا الخيار.
إنطلاقاً من هذه المعطيات والمجريات الرئاسية، إذا لم يدخل أي عامل تغيير جذري إليها، تعتبر جهات معارضة أنّ موازين القوى لا يمكنها أن توصل رئيساً من قبيل فرنجية، بل يجب الذهاب الى رئيس لا يعتبر “حزب الله” أنّه استفزازي ولا ترى القوى المعارضة والسيادية أنّه “بلا طعم” بل أن يكون شخصية لا تتأثر بموازين القوى وتحكم وفق اقتناعاتها الدستورية، وهذا لا يعني أن يكون رئيساً يتحدث بخطاب 14 آذاري لكن أن يلتزم الدستور والإصلاحات المطلوبة، على غرار تطبيق كلّ من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار الدستور والقانون، وهما لا ينتميان الى أي حزب معارض.
وإذ يروّج مؤيدون لفرنجية أن لا فيتو من أي دولة عليه وأنّه قادر على التواصل مع السعوديين، ويحاول “حزب الله” عبر الفرنسيين نسج تسوية مدماكها فرنجية رئيساً، تعتبر جهات معارضة أنّ ميزان القوى الخارجي لا يسمح بذلك، وأنّ السعودية واضحة ومسار تعاطيها مع البلد أوضح، فهي أوقفت مساعداتها للبنان ولن تساعد الحكومة وتحصر مساعداتها بالشقّ الإنسانيّ عبر جمعيات خيرية خارج إطار الدولة، وحدّدت مواصفات الرئيس الذي يعيدها فعلياً الى بيروت. وبالتالي ترى هذه الجهات المعارضة، أنّ السعودية لا يُمكن أن تكون مساهمة في إيصال رئيس خطّه السياسي معروف ولا يخجل به.
ولكلّ هذه الاعتبارات، تجزم “المعارضة السيادية”، أقلّه المكوّن المسيحي فيها، أن لا تسوية مع فرنجية أو على اسمه، فوصوله يعني استمرار عهد الرئيس ميشال عون مع رئيس آخر، و”لن نعطي هذا الفريق أي فرصة، بل سنكون في مواجهته”.