جاء في جريدة “الأنباء” الإلكترونيّة:
تتقاطع الذكرى المئة وخمس سنوات لميلاد المعلم الشهيد كمال جنبلاط، اليوم، مع العديد من المستجدات والتعقيدات السياسية، بعد أن جاهد من أجل تصويبها طيلة مشواره السياسي الذي امتد من بداية الاستقلال إلى لحظة استشهاده في السادس عشر من أذار ١٩٧٧، لأن اليد الآثمة التي اغتالته هي نفسها التي حالت دون إصلاح هذا النظام الأبتر، الذي يترنح عند أي استحقاق سياسي منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا. لكن رغم الحالة المهترئة التي وصل اليها لبنان، استمر الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسسه جنبلاط في العام ١٩٤٩ يحمل مشعل الحرية بقيادة وليد جنبلاط في خدمة القضايا السياسية والاجتماعية والانسانية التي أرساها المعلم وعلى رأسها قضية فلسطين، لتزهر ترسخاً في هذه الأرض وانتماءً لهذا الوطن، مهما كانت الظروف قاسية، ولو تعرضت المسيرة لانتكاسات أحيانا، لكنها رغم ذلك لم تخطئ البوصلة في العمل لأجل الإنسان.
وفي هذه الذكرى استذكر معاصرو كمال جنبلاط وعارفوه، تلك القامة الوطنية العربية والعالمية التي لا تتكرر، وقد استهل الأمين العام السابق لحركة اليسار الديمقراطي النائب السابق الياس عطالله كلامه بالقول: “نتذكره والذكرى ليست بعيدة عن الحياة السياسية التي لا تنسى. وعندما نذكر عصر رجالات الدولة نتذكر القيادات التي كانت لديها خيارات كبرى لتجعل من لبنان دولة نموذجية، وحين نتذكر كمال جنبلاط نتذكر الشجاعة والأخلاق والثقافة والمعرفة، انه جزء من بنائنا الاخلاقي والانساني والسياسي، ولا غرور اذا قلنا أننا عشنا في عصر كمال جنبلاط، حيث كل الأمور تقاس بمقياس سلوكي أرفع بكثير من أن يُقارن بما نعيشه اليوم”.
وقال عطالله، في حديث لـ”الأنباء”: “اليوم بدأنا ندرك كيفية انتصار وطن وكيفية موت وطن بفقدان تلك القامات التي لا تقارَن بأحد”، مضيفاً “كان عصر كمال جنبلاط عصر الانسان الذي يحسّ بإنسانيته، إنسان يحسّ بالأمل، بمجرد وجودهم كنا نشعر بالأمان، ولم نكن نحسّ أن ليس هناك من سقوف تحمينا أو سقوف منهارة تهدد كل شيء. فمهما قلنا عن كمال جنبلاط لا نفيه حقه، كان بشخصه يجسد اتفاق الطائف الذي يصون عروبة لبنان ونهائيته ووحدته وسلامه ولهذا اغتيل، وقاتلُه يعرف أنه يغتال مشروعاً وليس شخصاً”.
وأضاف عطالله: “كلما تذكرت كمال جنبلاط يدخل الحزن والافتخار أنك من جيل كمال جنبلاط، وهذا يشكل دافعاً لن يموت ولا يموت دون استكمال هذا المشروع. ومَن يريد ان يسمع فليسمع ان هذا المشروع حول عروبة لبنان ونهائية الكيان والعيش المشترك لا يمكن أن يجف، لأن دم كمال جنبلاط غال لدرجة لا يمكن أن يجف قبل تحقيق الرسالة”.
بدوره، استذكر الوزير السابق رشيد درباس المعلم في اتصال مع “الأنباء” بقوله: “حين كان كمال جنبلاط يساجل ويهاجم ويتهاجم كان بمستوى رجال دولة تجعلك مطمئن البال أن البلد في أياد أمينة”، مضيفاً: “عندما كان كمال جنبلاط يختلف مع صائب سلام أو كميل شمعون أو رشيد كرامي كانوا جميعاً عنيفين لكنهم في اللحظات الحاسمة كانوا يفرملون اندفاعتهم”، مشبّها جنبلاط بالعميد ريمون اده الذي كان يختلف كثيراً معه لكنهما في جوهر الأمور كانا مع بعض، مستذكراً كيف أن ريمون اده كان على خصومة مع الرئيس شهاب وعندما شكل حكومة الأربعة لإنقاذ البلد كان في عداد الوزراء الذين تشكلت الحكومة منهم.
وقال درباس: “في ذلك الوقت كان هناك رجال دولة، وباختصار كان كمال جنبلاط رجلا عظيما شجاعا في عروبته، خلوقاً وصديقا موثوقا عند الرئيس جمال عبد الناصر، ودوره في الاشتراكية الدولية والعالمية، كما ودفاعه عن القضية الفلسطينية، لكن في لحظة من اللحظات تخلى عنه حلفاؤه فدفع دمه ثمناً لمبادئه”.
مناسبة السادس من كانون أول، محطة للتأكيد دائماً على المبادئ التي رفعها كمال جنبلاط من أجل لبنان، ومن أجل تطوير نظامه السياسي وصولاً الى الدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية. فأزمة هذا البلد كانت دائماً جوهرية وبنيوية وكانت تستحق كل هذا النضال الذي عمّده بدمه وكاد ينقذ لبنان لو لم تكن المؤامرة أقوى ودخلنا في آتون الحرب الأهلية ورهن البلد للوصايات والاحتلالات وسلطات الامر الواقع. لكن ميزة كمال جنبلاط كانت بفكره، ولذلك كل إطلالة ذكرى هي تجديد الولادة، لأنها ميلاد فكر.