كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
حتى اللحظة، لا يزال رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية هو أكثر المرشحين الجديين قرباً من قصر بعبدا. قد لا تسعفه التطوّرات فلا يصله، ولكنّ الاحتمال المعاكس لا يزال قائماً، طالما أنّه ينطلق من ترشيحه من بلوك أصوات ليس بقليل، ولو أنّه مضمور، وغير معلن، لكنّه مرشّح للاتّساع أكثر. وهنا نقطة قوّته.
في جردة التطوّرات الرئاسية، لا بدّ من العودة إلى المربّع الأول: العلاقة بين «حزب الله» ورئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» جبران باسيل، والتي كان يفترض أن تكون حجر أساس هيكل الرئاسة المنتظرة. فـ»الحزب» كان يدرك جيّداً أنّ الأخير سيتغنّج ويتدلّل كالمعتاد، لكي يتمكّن من حجز أكبر قدر من جوائز الترضية التي تسمح له بأن يكون شريك العهد المقبل. لكن في نهاية المطاف سيجلس الى المائدة بعد أن يترك باب التفاوض مفتوحاً. قد يكون إقناعه صعباً ولكنه ليس مستحيلاً.
وإذ بباسيل يذهب بعيداً في معاندته. قرّر تسلّق الشجرة وتحطيم كلّ السلالم التي تساعده على النزول. وما التسريبات «الباريسية» الأخيرة إلّا دليل قاطع على أنه يرفض الإبقاء على أي منفذ يتيح له إبرام اتفاق مع فرنجية بعدما قطع كلّ الطرقات ببلوكات الباطون.
في الجلسة الأخيرة التي جمعت باسيل بالأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، كان خيار «الحزب» إزاء فرنجية حاسماً، لا لبس حوله. ما يعني استطراداً استبعاد خيار تبنّي ترشيح رئيس «التيار الوطنيّ الحر» في ما لو أراد ذلك. كذلك أقفل نصرالله الباب بشكل غير مباشر على بقية الترشيحات التي يحاول باسيل الترويج لها وفق قاعدة أنّه «الضامن لها»، وفق المعلومات، وخصوصاً أنّ تجارب «التيار الوطني الحرّ» في رعاية وضمان الآخرين خصوصاً في التعيينات طوال عهد الرئيس ميشال عون بيّنت فشلها وعدم القدرة على تجيير هذه الضمانة.
في الواقع يريد «حزب الله»، كما تفيد المعلومات، رئيساً قادراً على تأمين تلك الضمانات بشخصه لا عبر فريق ثالث، حتى لو كان الأخير حليفاً، بمعنى أن يكون موثوقاً به، ولا تكون تلك الثقة مجيّرة من باسيل. ولهذا خرج نصرالله في خطاب المواصفات يعدّد الصفات التي يريدها في الرئيس المقبل. وبهذا أيضاً يكون باسيل قد أقفل على نفسه باب تسمية الرئيس المقبل.
بالنتيجة، لا تزال ورقة رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» كمرشح جدّي، محروقة. ليس فقط لكونه مدرجاً على لوائح العقوبات، بل لكونه مرفوضاً من معظم الأطراف الداخلية. والأكيد هو يحتاج إلى تدخّل إلهي أو معجزة لكي يضمّ أصوات حركة «أمل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» و»القوات» وقدامى «المستقبل» إلى ترشيحه. حتى «الحزب» سيكون محرجاً في إعطائه أصواته طالما أنّ فرنجية لم يقرّر الانسحاب. وثمة من يقول إنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ينتظر باسيل على كوع إعلان ترشيحه، في ما لو قرر أن يفعلها لكي يسارع إلى الدعوة لجلسة انتخابية ليبرهن بالقلم والورقة أنّه لن ينال إلا عدداً هزيلاً من الأصوات.
كذلك، يقود سلوك باسيل إلى خسارته ورقته كصانع للرؤساء، التي يسعى إلى تعزيزها طالما أنّ ترشيحه معطّل، وذلك بسبب استمراره في سياسة التعطيل من دون الاحتفاظ بالقدرة على المبادرة. مع العلم أنّ القوى السياسية تتلقّف بكثير من السلبية كلّ الأسماء التي يسعى باسيل إلى الترويج لها على قاعدة رفضهم «التمديد» لعهد ميشال عون لستّ سنوات إضافية من خلال «مرشّح باسيلي» وهو ما يحاول تكريسه من خلال الترويج لترشيحات تجعل منه رئيس الظلّ.
ومع أنّ باسيل يُبلغ سائليه وبينهم نواب من «تكتل لبنان القوي» أنّ خيار فرنجية مرفوض بالمطلق، إلّا أنّ «حزب الله»، وفق المعلومات، لم ييأس أو يستسلم لهذا الرفض، ولو أنّه بات مدركاً أنّ المهمة صارت أصعب بكثير. ولهذا فإنّ ممانعة باسيل قد تدفعهم للتفكير في سيناريو مختلف كلياً.
في الواقع، فإنّ ترشيح فرنجية ينطلق من عوامل عدّة، أولاً رغبة «الحزب» في ضمان وصول مرشح موثوق به لا يعيدهم إلى ملعب الاختبارات الصعبة. ثانياً، سبق لفرنجية أن سلّف هذا المحور موقفاً بالغ الأهمية من خلال رفضه النزول الى جلسة انتخابية كان من الممكن أن تأتي به رئيساً لكنه التزم بالتزامات «حزب الله» تجاه العماد ميشال عون. ثالثاً، إنّ ترشيح فرنجية ليس ضرباً مستحيلاً، لا بل ينطلق من «حيثية وطنية» مقبولة تجعله غير بعيد من قصر بعبدا.
بوانتاج أوّلي
إذ يدلّ البوانتاج الأولي على أنّه في جيب رئيس «تيار المردة» إلى الآن 45 صوتاً هي أصوات «الثنائي الشيعي» وحلفائه من السنّة، العلويين، والأرمن… وقد يصل الرقم إلى 54 صوتاً إذا ما وفى بعض النواب السنة بوعودهم بالتصويت له. ما يعني أنّ الرجل لا يحلم أو يتوهّم. ويكفيه أنّ ينضمّ بعض نواب «تكتل لبنان القوي» أو اللقاء الديموقراطي ليصير على مقربة أمتار من القصر… خصوصاً أنّ النصاب القانوني متوفّر، وتحديداً نصاب الثلثين.
ذلك لأنّ «القوات» لا تتردّد في الإشارة إلى أنّها لن تستخدم عصا التعطيل للحؤول دون انتخاب رئيس. وقد تلجأ إليها من باب التكتيك وليس التعطيل الطويل، وبالتالي ستعود لتأمين النصاب حتى لو كان فرنجية هو المرشح الذي قد يصير رئيساً. ما يعني أنّ باسيل قد يفقد مع الوقت ورقة تأمين النصاب بعدما وضعتها القوات على الطاولة، على نحو مجاني، ما قد يجعل «حزب الله» بغنى عن دفع ثمن هذه الورقة لرئيس «التيار الوطنيّ الحرّ».
بناء عليه، وإذا ما استمرّ رئيس «التيار» في خياره الرافض لفرنجية، سيكون «الحزب» أمام سيناريو البحث عن بديل له لتأمين انتخاب فرنجية… وإذا ما فعلها، فقد لا يكبّد نفسه عناء إقناع حليفه المسيحي، العوني، بالدخول في شراكة مع الرئيس الجديد. وسيتركه يتوجّه وحيداً إلى المعارضة، وهو المقتنع أنّ أياً من القوى الأخرى لن ترحّب به في هذا الملعب.