مَن يضمن مارونيّة الرئيس أو أهليّته للحكم؟

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

من يضمن مارونية رئيس الجمهورية؟ هل يخضع لاختبار يثبت تعلّقه بمارونيته؟ ومن يضمن أهليته العقلية والنفسية والجسدية للحكم؟ هل يبرز شهادة تثبت أنه سليم عقلياً وجسدياً؟ هل ينص الدستور على شروط محددة بالنسبة لمستواه العلمي أو الفكري والثقافي؟ أو هل يخضع لامتحان كفاءة مثلاً أو مباراة دخول؟ وماذا لو كانت المرشحة الى سدة الرئاسة سيدة مارونية متزوجة من غير طائفتها؟ أسئلة تخطر في بال من يودّ التمعن في شخصية الرئيس العتيد ومواصفاته لكن إجاباتها تبقى مبهمة دستورياً وشعبياً.

يسمع اللبنانيون عن أسماء تطرح لرئاسة الجمهورية ويقرأون عن مواصفات مطلوبة للرئيس العتيد وعن خطه ومحوره لكنهم لم يسمعوا يوماً ما ذكراً لمؤهلاته وأحواله الشخصية وحكم الدستور فيها: سنّه، وضعه العائلي، جنسيته، معتقداته، مؤهلاته العلمية أو حتى ذمته المالية وسجله العدلي. فكل ما يعرفونه أنه ماروني وكفى! ولم يفكروا يوماً أن يسألوا عن أحكام الأحوال الشخصية للرئيس أو للسيدة التي يمكن أن تتبوأ يوماً رئاسة الجمهورية؟ فهل حدد الدستور شيئاً منها؟

تنص المادة 49 من الدستور اللبناني في فقرتها الثانية وفق الخبير الدستوري سعيد مالك على أنه لا يجوز انتخاب أحد لمركز رئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشح. وبالتالي لا بد من العودة الى قانون الانتخاب الساري المفعول لمعرفة ما هي الشروط المؤهلة للنيابة وبالتالي للرئاسة. في العام 2008 كان القانون رقم 25 هو الساري آنذاك أما في العامين 2018 و 2022 فصار القانون رقم 44/2017 هو الساري المفعول.

عموماً لا بد أن يكون المرشح الرئاسي لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات غير محكوم عليه لا بجنحة ولا بجناية متعلماً متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية. أما الموانع فترتبط بوظيفة الشخص الناوي على الترشح، إذ تنص الفقرة 3 من المادة 49 أنه لا يجوز انتخاب القضاة او موظفي الفئة الأولى وكل ما يعادلها في الإدارات الرسمية طوال مدة قيامهم بوظائفهم وخلال سنتين من استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد. ورغم كون هذا الشرط موجود في قانون الانتخاب إلا أن المشترع فضل أن ينص هذا البند بشكل مباشر واضح في ما خص انتخاب الرئيس. أما بالنسبة للعسكريين فلا يمكنهم الترشح إلا إذا كانوا محالين على التقاعد أو قبلت استقالتهم قبل تاريخ الإنتخاب بستة أشهر… ولا يقدم المرشح الرئاسي ترشيحه لأي جهة كانت.

وبما أن ما يصح على المرشح النيابي يصح على الرئاسي فقانون الانتخابات ينص على أنه يحق أن يترشح لعضوية مجلس النواب من كان لبنانياً أتمَّ الخامسة والعشرين من العمر، مقيداً في قائمة الناخبين، ومتمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، علماً أنه «لا يجوز للمجنس لبنانياً أن يقترع أو أن يترشح للإنتخابات إلا بعد انقضاء عشر سنوات على تنفيذ مرسوم تجنيسه، ولا يطبق هذا القانون على المرأة الأجنبية التي تصبح لبنانية بإقترانها بلبناني» وذلك حسب المادة 5 من القانون 44. وعليه أن يقدم ضمن المستندات المطلوبة سجلاً عدلياً لكن لا يطلب منه مثلا تقديم براءة ذمة مالية!

ماروني الهوى أم الهوية؟

نغوص في التفاصيل بعيداً عن العموميات ونسأل ما الذي يؤكد كون المرشح الى المركز الماروني الأول في الدولة والذي يتقاتل الموارنة على اختياره هو ماروني الهوى وليس الهوية فقط؟ ألا يمكن أن يكون ملحداً مثلاً أو حاد عن مارونيته ليتبنى معتقداً آخر كالبوذية على سبيل المثال أو ماذا لو تربّى على معتقدات والدته غير المارونية؟ الدستور اللبناني لا يحدد طائفة الرئيس بل الميثاق هو الذي أرسى الطوائف الثلاث في الرئاسات الثلاث. إذا يحق دستورياً لأي كان الترشح لكن الميثاق يقضي بانتخاب ماروني أو مارونية القيد. أما معتقدات الرئيس فلا تؤخذ بالاعتبار وفق ما يشرح مالك: «المهم أن يكون ماروني القيد اما ما يعتقده فتلك حرية شخصية له كفلها القانون اللبناني في حرية المعتقد». والمشترع لا يحدد من هو الماروني الأصيل أو مدعي المارونية فمارونية الرئيس بالقيد لا بالممارسة أو المعتقد!!! ملاحظة لو تنبه لها المغالون في مارونيتهم لوفّرت عليهم الكثير من الصراعات.

وقد نذهب أبعد في القول أنه يمكن لأية سيدة متزوجة من ماروني وصارت على قيده أن تترشح الى الرئاسة مبدئياً إلى أية طائفة انتمت، إلا إذا شاءت لسبب من الأسباب أن تحتفظ بديانتها الأصلية وألا تتبع قيد الزوج. وكذلك يحق للسيدة المارونية المتزوجة من غير ديانتها أو مذهبها وفي حال احتفظت بديانتها الأصلية ولا تزال مسجلة في قيدها كمارونية، الترشح للمنصب الماروني الأول. إخراج القيد العائلي والفردي المستندان الى القيود الشخصية يحددان ما إذا كانت المرشحة تعتبر مارونية. وهنا لا بد من الإضافة أن السيدة المرشحة الى الانتخابات الرئاسية ليست بحاجة الى تصريح من زوجها ويمكن أن تكون مطلقة. المهم أن تحمل الجنسية اللبنانية وأن تكون مارونية القيد.

وقضية طلاق المرشح الماروني (أو المرشحة) قد تثير بعض الجدل الدستوري وفق أحد المحامين الخبراء بالأحوال الشخصية. وهذا ما حصل مع الرئيس الياس الهراوي الذي قيل يومها أنه بدل طائفته ليطلق زوجته الأولى ويتزوج من السيدة منى. وتبيّن أن الرئيس الهراوي الذي انتقل الى الطائفة الأرثوذكسية لم يبق عليها لوقت طويل بل عاد مارونياً وانتخب كأول رئيس بعد الطائف إثر اغتيال الرئيس رينيه معوض. فالمارونية والعودة عنها ثم العودة إليها حالة مطاطية لم يتطرق إليها الدستور، والمهم ان يكون المرشح على مارونيته عند انتخابه.

لكن هل يحق لرئيس الجمهورية أن يحمل جنسية ثانية غير جنسيته اللبنانية؟ بما ان كل ما ينطبق على النائب ينطبق على الرئيس يقول سعيد مالك يجوز للرئيس بان يحمل أكثر من جنسية طالما ليس هناك حظر يمنعه من ذلك.أما إذا نشب خلاف بين لبنان والدولة التي يحمل الرئيس جنسيتها فعليه حينها التنازل عن جنسيته الثانية أما في حال ذهب في غير هذا الاتجاه ووقف مع الدولة الثانية حينها يعتبر ذلك خيانة عظمى وفق المادة ستين من الدستور.

صيت يسبق المواصفات

ومن الأمور المفاجئة في بلد العجائب أن الدستور لا يحدد مواصفات الرئيس ولا أهليته. لا يطلب من المرشح إبراز وثائق تثبت أهليته النفسية أو العقلية أو الصحية ولا يترشح محملاً بملف شخصي ثقيل يحمل كل تفاصيل حياته، بل يعتمد انتخابه على صيته وما هو معروف ومتداول عنه.

وفي حين أن المواطن العادي الذي لا يستطيع إدارة شؤونه يُعيّن عليه وصي أو قيم وفق القانون اللبناني بعد أن يقوم ثلاثة خبراء تعينهم المحكمة بفحصه لتحديد أهليته، فإن ذلك لا يصح على رئيس الجمهورية اللبناني، ويعود لنواب الأمة وحدهم بحسب المادة 9 من الدستور النظر بأهليته لإدارة البلاد.

ومن الأمور المستغربة في الزمن الحاضر أن القانون لا يحدد المستوى الدراسي للمرشح الرئاسي أو مؤهلاته العلمية أواللغوية ويترك للنواب اختيار الشخص الذي يجدون فيه المؤهلات المطلوبة. مع العلم أن مجلس الخدمة المدنية يشترط في كل طالب وظيفة عامة ان يكون حائزاً على الشهادات والمؤهلات العلمية المطلوبة التي تؤهله القيام بوظيفته، وان يجتار مباراة التعيين بنجاح في جميع الاحوال التي يفرض فيها القانون اجتياز المباراة. وعليه ان يبرز شهادة من اللجنة الطبية الرسمية تثبت انه سليم من الامراض والعاهات التي تحول دون قيامه باعباء وظيفته.

وفي لبنان لا تحديد لعمر الرئيس عند ترشحه فقد يكون شاباً أو طاعناً في العمر، فالسن في الدولة اللبنانية لا يقاس بالأرقام بل بما يشعر به المرشح… وكما يقول كورناي في مقولته الشهيرة aux âmes bien nées, la valeur n›attend point le nombre des années

تتوالى الأسئلة التي تخطر في بالنا عن الرئيس بعضها مستوحى من الواقع والفراغ المنتظر وبعضها مما نراه في الأفلام السينمائية الأميركية. ماذا يحدث إذا اصيب الرئيس بمرض وبات غير مؤهل للرئاسة او اذا أصيب بحادث او دخل في حالة غيبوبة أو خضع لعملية جراحية مع تخدير طويل أو ماذا إذا اختطف مثلاً؟ يجيب الخبير الدستوري سعيد مالك أن المادة 62 من الدستور تنص على أنه عند خلو سدة الرئاسة لأي سبب من الأسباب، سواء كان مرضاً أو أستقالة اوعدم أهلية أو انتهاء ولاية، تناط صلاحيات الرئيس بمجلس الوزراء مجتمعاً. ففي لبنان لا وجود لمنصب نائب الرئيس وعند خلو سدة الرئاسة يفترض انتخاب بديل للرئيس في أسرع وقت وفي انتظار ذلك يتولى مجلس الوزراء مجتمعاً صلاحيات الرئيس.

أما إذا توفى الرئيس أثناء توليه الرئاسة فيدفن في مسقط رأسه أو حيث قيده. ويتم بعدها انتخاب رئيس جديد ولا شيء مطلقاً في النصوص الدستورية اللبنانية يذكر قضية التوريث لا لإبن او صهر او شقيق او زوجة! لكن الأعراف في لبنان تولد بفعل الظروف، كما حصل حين بات متعارفاً عليه أن يكون القصر الرئاسي منزلاً للرئيس فيما كان القصر في السابق مكان عمل فقط. و تبدلت الأمور إبان الحرب الأهلية حين صار الرئيس يسكن القصر لدواع أمنية لا دستورية.

في مقارنة بسيطة بين الرئيس اللبناني والرئيس المصري ورغم اختلاف النظامين نجد تباينات عدة ؛ فهناك على الرئيس أن يكون مصريًا من أبوين مصريين وألا يكون قد حمل أو أي من والديه أو زوجه جنسية دولة أخرى. وأن يكون حاصًلا على مؤهل عالٍ ومتمتعاً بحقوقه غير محكوم في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد ردّ إليه اعتباره، وقد أدى الخدمة العسكرية أو أعفي منها قانونًا. وألا يكون مصاباً بمرض بدني أو ذهني يؤثر على أدائه لمهام رئيس الجمهورية وذلك بناء على التقرير الطبي الصادر من الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة بنتيجة الكشف الطبي على المرشح كما يجب ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية. وأن يقدم ضمن المستندات المطلوبة إقرار الذمة المالية.

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …