كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
…وخرج الرئيس ميشال عون من بعبدا قبل 35 ساعة من إنتهاء ولايته الدستورية بحلول منتصف ليل اليوم 31 تشرين الأول. وسلّم «الشغور» كما فعل سلفه، متوجاً ساعات عهده الأخيرة بالتوقيع على مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال. وناشد المجلس النيابي بتحمّل مسؤوليته، فاتحاً الباب بذلك على إجتهادات دستورية، وملقياً اللوم والعتب على «المنظومة» التي حالت دون تحقيقه «التغيير والإصلاح» المنشودين، وذلك خلال كلمةٍ ألقاها أمام حشودٍ من «الحرس القديم» و»حزب الله» الذي عمّت أعلامه الباحة الخارجيّة للقصر الجمهوري، محاولاً إستعادة ما تبقى من مشروعية شعبيّة تساهم في تعويم تياره السياسي «التيار الوطني الحرّ» في الإستحقاقات والمغامرات المقبلة.
الرئيس الذي أوصلته «بندقية المقاومة» قبل 6 سنوات إلى قصر بعبدا، وفق مجاهرة النائب نواف الموسوي حينها من ساحة النجمة، إلى جانب ما عُرف يومها بالتسوية الرئاسيّة مع «تيار المستقبل» و»القوات اللبنانية»، لم يجد له حليفاً سياسياً في وداعه عند باب القصر. ما خلا قلّة من نواب «تكتل لبنان القوي»، من بينهم صهره رئيس «التيار» جبران باسيل، والنواب إبراهيم كنعان، آلان عون، ندى البستاني، سليم عون، فريد البستاني، ونائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب، والوزيران في الحكومة المستقيلة هيكتور الحجار ووليد فياض، وعدد كبير من المستشارين من بينهم النائب السابق وليد الخوري والوزير السابق بيار رفول وآخرون.
طغى مشهد الحزن على القصر وناسه، على عكس المشهدية الشعبية التي أعدّ لها «التيار» في الباحات الملاصقة، وخلافاً للمواكب السيارة والأناشيد التي أمّت الطرقات المحيطة. مناصرون دفعتهم حماستهم إلى مبيت ليلتهم في خيمٍ أُعدت خصيصاً عند مدخل القصر، وفي النطاق الأمني له. شاشات عملاقة رفعت وأناشيد حزبية تخص «العونيين» صدحت منذ ساعات الصباح الأولى إلى حين بدء المراسم الرسمية لخروج الرئيس. الحشد الشعبي طغى على البروتوكول الرسمي، ما دفع المنظّمين إلى تأخير الإحتفال لما يقارب الساعة من الوقت من أجل تأمين تحشيد المشهد قدر الامكان. زوار الرئيس في يومه الأخير إقتصروا على الحلقة الضيقة: النواب العونيون، وزراء سابقون العائلة والمستشارون…
واليوم الأخير في بعبدا كان يوم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بلا منازع، الذي لازم عون منذ الصباح الباكر وكان حاضراً أثناء توقيع مرسوم استقالة الحكومة، كما أشرف على دقائق ترتيبات المغادرة ووجّه الجمهور العوني في كيفية التحرك والتجمع. كما برز بين رايات «التيار» عدد من رايات «حزب الله «في سياق بدا مدروساً بدقة لايصال رسائل إلى الحليف قبل الخصم.
كما أبقى باسيل على «ملائكته» في القصر الذين سيستمرون الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا سيما في المراسم والاعلام ودوائر المديرية العامة للرئاسة، وهذا أمر غير مسبوق، اذ درجت العادة أن يغادر مع الرئيس المغادر كلّ من وصل معه، ولا يبقى الا المدير العام لرئاسة الجمهورية (أي انطوان شقير حالياً) ورؤساء المصالح والدوائر والاقسام والموظفون.
وبحلول الساعة 12:15، غادر الرئيس عون مكتبه وسط كتيبة من الرمّاحة وحرس الشرف الذين ملأوا البهو الداخلي، فصافح المدراء العامين والمستشارين عند المدخل الرئيسي للقصر، ثم توجه إلى إلقاء التحيّة على العلم اللبناني على وقع عزف موسيقى الجيش لحن التعظيم والنشيد الوطني اللبناني، ليستعرض كتيبة من الحرس الجمهوري حتى وصوله إلى المنصة الخارجية وإلقاء خطابه الوداعي «الحزين»، وتسليم شعلة «إستمرار القضيّة» للأجيال الصاعدة في «التيار الوطني الحر»، هنا طلب المنظمون وفي طليعتهم باسيل من المشاركين، اخلاء الساحة أمام القصر وتشكيل سلسلة بشرية على طول الطريق التي سيسلكها الموكب الرئاسي داخل الإطار الأمني للقصر لزوم «التصوير»، وإلقاء السلام الوداعي للجنرال، الذي غادر بعبدا عند الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس.
الوداع الرئاسي الذي طغى عليه الطابع الحزبي، أراده الرئيس عون أن يشكل له امتداداً لمسيرته وتجديداً لمشروعيته الشعبية في القادم من الأيام. ويوضح المستشار الإعلامي والسياسي لرئيس الجمهورية أنطوان قسطنطين لـ»نداء الوطن»، أنّ موقع الرئيس وشعبيته فرضا هذه المشهدية التي تعيد إلى الأذهان الصورة ذاتها التي رافقت دخوله إلى القصر، ما يؤكد زعامته وهو «يخرج رئيساً زعيماً كما دخل». وإذ يلفت إلى أن الإستقبال الشعبي يلاقي المعادلة السياسيّة التي يطرحها الرئيس عون، والتي توجب على أي رئيس في المستقبل التمتع بقاعدة شعبية وتمثيليّة لبيئته قبل إنتخابه، منعاً للطعن بميثاقيته، أمل في تحويل الممارسات السياسية باتجاه إيجابي، بعيداً عن التحدي والحقد والسهام الظالمة التي أصابت «الرئيس» منذ 2019 إلى اليوم.
في الغضون، وعلى الرغم من المشهد الإحتفالي الذي أراده «التيار الوطني الحر» لرئيسه الفخري في يوم وداعه «الرئاسي»، طغى الحزن و»البكاء» على وجوه المشاركين كما فريق عمل الرئيس من مستشارين وإعلاميين وحرسٍ. وتقاطعت آراء من التقتهم «نداء الوطن» بأنّ مكيدة ما أدّت إلى تعطيل الإصلاح المطلوب والتغيير المنشود اللذين لطالما سعى إليهما «فخامته». وتشير الزميلة ريتا نصور إلى أنّ «غصتها كبيرة وزعلها أكبر، جرّاء عرقلة الرئيس عون في تنفيذ رؤيته للبنان والتي لن يكون باستطاعة غيره تنفيذها».
إلى الرابية
وبعد أن حيا حشود المواطنين، غادر الرئيس عون في الموكب الرئاسي قصر بعبدا مخترقاً صفوف المواطنين الذين احتشدوا لتحيته على طول طريق القصر الجمهوري، وعلى الطريق المؤدية الى الرابية.
ولدى وصول موكب عون الى مفترق منزله في الرابية، توقف لتحية الجماهير التي انتظرته وهتفت بحياته وبالشعارات المؤيدة لمواقفه، كما كانت محطة عزفت فيها الأناشيد الوطنية وأقيمت الرقصات الفولكلورية و»الزفة» احتفاء به.
بعدها تابع الموكب سيره ووصل الى منزل عون في الرابية، حيث استقبلته اللبنانية الأولى ناديا الشامي عون، وكريماته، وافراد العائلة.