كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تتّسع دائرة البلديات المستقيلة بعدما فرط عقد مجلسها، وضاعت في زواريب الصفقات حيناً، وعدم تناغم أعضائها أحياناً أخرى، ورغم أنّ التمديد الأول لها لسنة، أعطاها دفعاً إضافياً لإرساء التفاهمات السابقة، وقع بعضها فريسة الخلافات والفراغ وهي على أبواب التمديد الثاني، بحسب المعطيات.
في وقتٍ يفترض فيه أن تكون البلديات جاهزةً لمواجهة التحدّيات ومشاكل الناس في هذه الظروف الصعبة، وليس آخرها وباء «الكوليرا» وتأمين المياه النظيفة بالحدّ الأدنى ومعالجة مشاكل النفايات، تدخل في نفق الصراعات السياسية والحزبية والعائلية، وتبتعد عن دورها الإنمائي، ليصل بها الأمر في نهاية المطاف الى الإستقالة ووضعها بتصرّف القائمقام أو المحافظ لإدارة شؤون البلدة، وقد لا تكون معطيات المحافظ أو القائمقام على قدر حاجات الناس. فأهل مكّة أدرى بشعابها وأولوياتها وكيف يصرفون الأموال لتحقيق تنمية بلدتهم.
أكثر من تسع بلديات في محافظة بعلبك الهرمل حُلّت بعد الانتخابات البلدية التي جرت عام 2016 كان آخرها بلدية نحلة التي صدر قرار حلّها أخيراً، فيما تسير ثالث أكبر بلدية في المحافظة من حيث عدد الأعضاء (21 عضواً) على طريق الحلّ وهي بلدية عرسال، بعدما فشلت كل محاولات الاصلاح بين أعضائها ورئيسها، وسبق أن تقدّم عدد منهم (8 أعضاء) العام الماضي باستقالتهم وقُبلت حينها وبقيت قائمة، ليرتفع عددهم الى 15 وتفقد نصابها. ورغم محاولات محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر لمنع الوصول الى هذا الحل الأخير، لم تنجح المساعي ورُفعت الإستقالات إلى وزارة الداخلية لإتخاذ القرار النهائي بحلّها والذي سيصدر قريباً.
«تفرّد رؤساء البلديات والهيمنة الحزبية التي فرضت تشكيلات البلديات وتقاسمت الولايات الرئاسية لها، أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى استقالات بلديات المنطقة»، كما تقول مصادر متابعة للملف، معتبرةً «أنّ الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات المحلية لا سيّما الإنمائي، تراجع أمام المصالح الضيّقة والخاصة، حيث كانت فرصةً لتصفية الحسابات بين العائلات من دون إختيار الأكفأ، وباباً للأحزاب لإرضاء جمهورها وبيئتها عبر توزيع ولاية رئاسة البلدية بين أكثر من رئيس، ما يمنع القيام بما يلزم من مشاريع وإدارة للشؤون المحلية».
وتضيف المصادر أنّ «الدعم الذي تتلقاه بعض البلديات من المنظّمات الدولية والجمعيات العاملة على خطّ النازحين السوريين فتح باب السمسرات وجني الأموال من بعض المنتفعين فيها، لا سيما رؤساء البلديات، الذين لهم القرار الفصل في تسمية موظفين يعملون مع تلك الجمعيات، إضافة الى الثراء الذي بدأ يظهر على بعضهم رغم الضائقة الإقتصادية، وإفلاس البلديات وعدم تقاضيها مستحقاتها من الصندوق البلدي المستقلّ والمخصصات المحددة لها من الوزارات المعنية، وإطلاق العديد منها الصرخة لتأمين الأموال اللازمة لدفع رواتب الموظفين، لا سيّما عمّال النظافة وغيرهم، لتكتفي البلديات بواجباتها الأساسية».
تعثّر البلديات في ظلّ الوضع الراهن، وشكوى الناس من عدم وصول المياه النظيفة بسبب إضراب موظفي شركات المياه حيناً، وعدم توافر المحروقات حيناً آخر رغم تجهيز بعض المحطات بالطاقة الشمسية، إضافة إلى مسائل حياتية أخرى تستدعي حلاً… كلها قضايا ملحّة تفرض على الدولة وأجهزتها التحرّك وإعداد العدةّ للإنتخابات البلدية من دون أي تمديدٍ إضافي يُبقي الوضع متعثراً والبلدات والقرى من دون أدنى خدمات إنمائية.