كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
أمّا وقد انتهت مراسم توقيع الاتفاق الحدودي مع إسرائيل، يفترض أن تستعيد الجهود التي لا تزال تبذل في سبيل تأليف حكومة اللحظات الأخيرة، الأضواء. لم ييأس «حزب الله» من الدفع باتجاه تقليص مساحة التوتر السياسي في زمن الشغور الرئاسي، قدر المستطاع. ولهذا، ترك محرّكاته على وضعيتها من العمل إلى حين يفقد الأمل، ويكون الوقت قد خانه، بمعنى اقتراب لحظة خروج رئيس الجمهورية ميشال عون من القصر، ليفقد حقّ التوقيع.
أمّا قبل ذلك، فكل الاحتمالات لا تزال واردة ولو أنّ حماسة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم تراجعت خلال الأيام الأخيرة، أسوة ببعض المطلعين على خطّ التأليف وقد باتوا مقتنعين أنّ الطرفين، أي فريق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، ليسا متحمّسين لإنجاز هذه المهمة، كلّ لاعتباراته، وسيلقيان حكومة تصريف الأعمال بالمجهول.
في الواقع، فإنّ الجردة السريعة للعوامل التي تتحكّم بتأليف حكومة آخر لحظات العهد، لا تدفع إلى الايجابية. على المستوى السياسي، سيكون من مصلحة ميقاتي إبقاء القديم على قدمه خصوصاً أنّه طوّر علاقته بالوزراء المسيحيين ومتّنها ويفضّل عدم تغييرهم، واللعب بموازين القوى في الحكومة التي بقي ثلثها المعطّل مضموراً، بيد وزير ملك. أمّا الدخول في لعبة تبديل الأسماء فقد يطيح بتلك الموازين التي تحتاج إلى «ميزان جوهرجي» وتدقيق في «أصل وفصل» كل مرشح لدخول الحكومة لمعرفة مدى التزامه بالمرجعية التي ستسمّيه. بدليل أنّ بعضاً من وزراء حكومة تصريف الأعمال، دخل مع «أمّ العروس» وخرج مع «أمّ العريس».
أكثر من ذلك، فإنّ جولات التفاوض التي جرت بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يواظب على الإدعاء أنّه لا يريد شيئاً لنفسه أو لحزبه، وأنّ التفاوض يجري فقط على حصّة رئيس الجمهورية، أثبتت الكثير من الوقائع. إذ دلّت على أنّ باسيل يريد أن يكون هذه المرّة شريكاً «على السطح»، بمعنى تسمية وزراء محسوبين عليه، وقد أعلن رئيس الجمهورية صراحة عن دور «التيار الوطنيّ الحر» في تسمية الوزراء، وذلك على خلاف المرّات السابقة التي نفض خلالها «التيار» يديه من علاقته بالوزراء المسيحيين. وهو أمر مخالف للواقع. كما أظهرت أنّ الفريقين يمتهنان لعبة التشاطر ورمي العصي في الدواليب من خلال الشروط والشروط المضادة والمطالب والمطالب المضادة، بشكل يثبت أنّهما غير مستعدين لتقديم أي تنازل في سبيل تسهيل عملية التأليف.
يقول أحد المواكبين لهذا المسار إنّ الفريق العوني يتصرف على قاعدة أنّ الحكومة الجديدة ستكون بمثابة هدية مجانية، هو غير مستعد لتقديمها، وتحديداً لميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري كون لهما اليد الطولى فيها. وبالتالي كلّ سياسة رفع السقوف كانت من باب رفض الرئيس عون وباسيل الإقدام على هذه الخطوة التي لن تقدم فلساً لرصيدهما السياسي. لا بل يفضّل باسيل القفز سريعاً إلى ضفّة المعارضة لكي يتفنن في قصف كلّ الجبهات.
وعلى هذا الأساس، وضع شرطاً أساسياً يقضي بعدم منح ثقته للحكومة حتى لو أسهم في ولادتها. وهو شرط لا يجد حتى نواب «التيار الوطني الحرّ» صيغة مقنعة للدفاع عنه على المنابر الإعلامية: كيف نشارك في حكومة لا نمنحها الثقة؟ فعلاً هو الانفصام الحاد في الشخصية. لكنّ إصرار ميقاتي على تلبية هذا الشرط، والضغط الهائل الذي مارسه «حزب الله» خلال الساعات الأخيرة (يتردد أنّ لقاء جمع باسيل ليلاً بمسؤولين بارزين من الحزب) أدى إلى تليين موقف رئيس «التيار الوطني الحر» في نهاية المطاف، بشكل قد يدفعه إلى منح الثقة ربطاً بطبيعة برنامج الحكومة! وكأنّه سيكون لحكومة الشغور برنامج جديد!
في الواقع، يقول مصدر مطلع على خطّ التفاوض إنّه رغم السجالات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، إلا أنّهما يخشيان من المجهول. ومع ذلك، كلّ التقدم الحاصل قد لا يؤدي إلى انفراج حكومي حتميّ!