كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
ملف ترسيم الحدود البحرية صار وراءنا. إنجاز كبير طال انتظاره، وإذ بالظروف الدولية، المرتبطة تحديداً بحاجة أوروبا إلى الغاز، تسرّع وتيرته، ليصير حاجة ملحّة لدول «القارة العجوز»، وللبنان الواقع تحت وطأة أزماته المتلاحقة. ما يقود إلى السؤال: هل سيعيد التفاهم الحدودي ترسيم حدود المشهد اللبناني، وتحديداً الرئاسي؟
خلال الساعات الأخيرة، بدا العونيون «بكامل فرحتهم»، وكأنهم يثأرون لسنوات العهد الستّ. وكأنّها ورقة اللوتو المليونية، المنتظرة منذ عقود، وقد صارت بجيبهم. ليست مسألة إنجاز تفاوضي فقط أو تفاهم سيعيد بعض الهدوء الاقتصادي والنقدي إلى البلد، ويمنح اللبنانيين قليلاً من الأوكسجين، لا بل، في ما قد يحمله من تردّدات قد تظهر على الملف الرئاسي، انطلاقاً من أكثر من سيناريو متداول:
– أن يكون التفاهم موضعياً نظراً للحاجة إلى إبرامه، وتحديداً من الجهة اللبنانية، وبالتالي لا ارتباطات أو تداعيات ستنعكس على الملف الرئاسي المنفصل تماماً عن الحدث الحدودي. ما ينفي وجود، وفق أصحاب هذا الرأي، أي صفقة تبادل بين الملفين، وبالتالي العودة إلى المربّع الأول في ما يخصّ الاستحقاق الرئاسي بحثاً عن «وسيط» دولي جديد يقرّب المسافات ووجهات النظر بين القوى اللبنانية. وهنا، تطبش رواية البحث عن رئيس تفاهمي تكون السعودية شريكة في تسميته على قاعدة استبعاد الأسماء الحليفة لـ»حزب الله».
– أن يكون ملف الحدود البحرية، أول أحجار الدومينو التي ستتساقط «تفاهماً» الواحد تلو الآخر، على قاعدة أنّ «حزب الله» يقف على ضفّة قاطفي ثمار الترسيم، لا سيّما على المستوى السياسي من خلال الدفع باتجاه انتخاب رئيس من بيئته.
وفي كلتا الحالتين، سيكون من السذاجة، الاعتقاد أنّ رئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل سيكتفي بالترويج للجهود التي قادها مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب مع المسؤولين الأميركيين لتحقيق هذا التفاهم كونها أثمرت إنجازاً تاريخياً. من يعرف الرجل جيداً، يجزم بأنّه يعتبر أنّ ما حقّقه في هذا الملف، يكاد يوازي كلّ ما أنجزه في السنوات العشر الأخيرة، وهو على بعد أيام فاصلة عن خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا. وقد صار جليّاً أنّه سيتصرّف مع ملف الترسيم بأنّه المخزون الاحتياطي الذي سيغرف منه في المرحلة المقبلة. يكفيه أنّ الإدارة الأميركية فتحت خطوط التواصل معه، ولو بشكل غير مباشر من خلال بو صعب، لكي يعيد مراجعة كلّ حساباته الرئاسية. كان بصدد ترقّب هذه اللحظة منذ أشهر وهو المقتنع بأنّ حظوظه لم تنتف ولم تنته، لا بل تكاد تكون انتعشت من جديد، وباتت أقرب إلى الواقعية.
بهذا المعنى، ثمة من يرى أنّ محطة الترسيم الفاصلة، ستفرض الشغور في الرئاسة الأولى لمدى غير منظور، وسيبذل «حزب الله» جهوداً مضنية لإقناع حليفه أي رئيس «التيار الوطني الحر» بإبرام صفقة لانتخاب خلف الرئيس عون. أكثر من ذلك، يعتبر المقتنعون بهذا المسار، أنّ الحزب لا يخوض معركة أيّ من حلفائه، وهذا يعني أنّ طريق باسيل إلى بعبدا دونها فقط إسقاط اسمه من لائحة العقوبات الأميركية ليعيد تدوير شبكة علاقاته مع القوى المحلية. ولكن في المقابل، ثمة وجهة نظر أخرى تفيد بأنّ «الصخب الاستيائي» الذي أصاب بعض القوى السياسية جرّاء إبرام التفاهم الحدودي، ينمّ عن خشية هؤلاء من مفاعيل هذا الاتفاق على المستوى الداخلي لجهة اشتداد قبضة «حزب الله» أكثر. وفق هؤلاء، فإنّ ترك حالة الفوضى الدستورية تأخذ مجراها من خلال السماح للشغور بالتسلل إلى قصر بعبدا، والامتناع عن تأليف حكومة جديدة، قد يدفع إلى ما هو أكبر من التباس حول شرعية حكومة تصريف الأعمال وقدرتها على استلام صلاحيات رئيس الجمهورية، لما هو أكثر اتساعاً وعمقاً ما قد يؤدي إلى فرض طاولة حوار تضع النظام اللبناني على مشرحة التعديل أو التنقيح أو التطوير. بناء عليه، ثمة من يرى أنّ تطويق هذا السيناريو، الذي قد يكون صار أقرب إلى الواقع، خصوصاً في ضوء الحراك الدبلوماسي الذي تقوده سويسرا بعيداً عن الأضواء للاستماع إلى ما لدى القوى السياسية من أفكار، يكون من خلال المسارعة الى انتخاب رئيس، اليوم قبل الغد. وهذا يعني الركون إلى رغبة «حزب الله» في هذا الاستحقاق. وهذا ما يعيد سليمان فرنجية الذي يواظب على تأكيد تمسّكه باتفاق «الطائف»، إلى واجهة الترشيحات الجديّة.