من قلب الدمار ومن رحم الوجع يولد الإبداع اللبناني… ففي كل مرة يثبت الشباب اللبناني كفاءته وقدراته وإبداعه ليحوّل القبح الى جمال وإبداع، والألم الى أمل… فبعد الانفجار المدمر الذي ألحق أضراراً كبيرة بمرفأ بيروت وبمدينة بيروت استطاع أن يحمل المهندس المعماري الكسندر زين قضية مرفأ بيروت الى العالم أجمع من خلال مسابقة أفضل تصميم لاعادة مرفأ بيروت، فنظم مسابقة عالمية لطلاب الجامعات تتمحور حول مشروع اعادة اعمار مرفأ بيروت. ولقد استقطبت مسابقة Inspirelli Awards أفكاراً هندسية عديدة من ثقافات وبلدان مختلفة، وشارك فيها 4 جامعات لبنانية اضافة الى جامعات عالمية عدة معروفة في مجال الهندسة. كما شارك في هذه المسابقة 500 طالب من 43 دولة حول العالم وتقدّم أكثر من 250 مشروعاً هندسياً ليتأهل من بين هذه المشاريع 40 تصميماً الى النهائيات التي جرت في لبنان، وكان الفوز لصالح فريق الجامعة اللبنانية الذي حصد المرتبة الأولى.
ولقد فاز طلاب السنة الرابعة – هندسة معمارية في كلية الفنون الجميلة والعمارة، الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية: سارجيو زغيب، وبيتر عون، وجوليان ميخائيل، وتيا بشارة، ونور كريدي، وليا لحود، وريتا أبي زيد، بالمرتبة الأولى في مسابقة Inspirelli الدولية. ونالوا المرتبة الأولى عن مشروعBeirut Port: An Urban Life Generator لإعادة اعمار مرفأ بيروت. فعلى رغم من الظروف الصعبة التي تتخبط بها الجامعة اللبنانية الا أن هؤلاء الطلاب تفوقوا على مختلف الجامعات اللبنانية التي شاركت بمشاريع خاصة في النسخة الحالية للمسابقة. فقد تقدمت مختلف الجامعات اللبنانية بمشاريع تُعنى باعادة مرفأ بيروت، الا أن الفوز كان من نصيب كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية ضمن الفئة اللبنانية. وفاز الفريق الماليزي المؤلف من ثلاثة طلاب بالمركز الأول عن الفئة الأجنبية.
الكسندر زين وفكرة المسابقة
وعن المسابقة الهندسية العالمية Inspirelli Awards التي شارك فيها طلاب من مختلف البلدان والثقافات يشرح صاحب الفكرة المهندس المعماري الكسندر زين:
– بعد وقوع انفجار مرفأ بيروت شعرنا جميعنا بحزن شديد لما حصل في ذلك اليوم، بالنسبة الي فشعرت أنه يجب أن أقوم بمبادرة ما لبلدي الذي كان ينزف ويتألم، فكان هناك مشروعان عملنا معاً أنا وزميلي ايليو جعجع على تنفيذهما. المشروع الأول عملنا سوياً لكي نعيد اعمار البيوت فاستطعنا أن نوفر للناس مكاناً بعدما فقدوا بيوتهم ليعيشوا فيه بشكل مؤقت لحين تمكنهم من اعادة اعمار بيوتهم وما شابه. والمشروع الثاني كان مسابقة عالمية تتمحور حول موضوع اعادة اعمار مرفأ بيروت لكي نستقطب أفكاراً من كل البلدان ومختلف الثقافات لكي نرى كيف يفكرون بمستقبل مرفأ بيروت فاقترحت الفكرة على رئيس Inspirelli Awards فأحب الفكرة وهكذا أطلقنا المسابقة منذ سنتين.
249 مشروعاً من مختلف بلدان العالم
وعن المراحل التي مرت بها المسابقة قال:
– طبعاً المسابقة ليست محلية بل هي عالمية وبالتالي أول مرحلة علينا أن نختار لجنة الحكم فاخترنا لجنة مؤلفة من أشخاص لبنانيين لديهم خبرة في الهندسة المعمارية، وأيضاً على الصعيد العالمي أشخاص لديهم خبرة في هذا المجال. وكنت وايليو نتواصل مع كل الجامعات وأيضاً على الصعيد العالمي كانت دولة تشيكيا تتواصل مع طلاب الهندسة المعمارية من مختلف البلدان عبر السفارات بحيث نتمكن من نشر الخبر لكي يشارك الجميع من كل البلدان. لقد تقدّم 249 مشروعاً على Inspirelli Awards وطبعاً كان هناك توصيات لأن المشروع عُمل به لمدة سنتين وكانت أيضاً من ضمن منهج الجامعات وهذا الأمر مهم أن يجلس الأستاذ مع الطلاب وليس أن يخططوا هكذا بل يكون ضمن المنهج الأكاديمي حيث يتعلمون وفي الوقت نفسه يفكرون بمدينة بيروت وهذا الأمر مهم جداً. وبعدما تقدم 249 مشروعاً وصل 40 مشروعاً الى النهائيات حيث شارك في هذه المسابقة أكثر من 1000 شخص من أنحاء العالم، وبالتالي كان عملاً كبيراً والحمد لله استطعنا أن ننجح بذلك.
تبادل الخبرات وتعزيز الثقافة
وعن أهمية تبادل الخبرات وتعزيز الثقافة لدى طلاب الهندسة المعمارية في لبنان قال:
– طبعاً قبل الاحتفال بفوز المشاركين في المسابقة كانت هناك تحضيرات يومية حيث كان يعمل فريق كبير ضمن هذا العمل، وهنا نود أن نشكر بلدية بيروت لأن البلدية تضامنت معنا لكي نتمكن من انجاح المشروع وطبعاً وضع المشروع في متحف سرسق. وأقيم معرض من ثم القيت المحاضرات التي القاها مهندسون معماريون لديهم خبرة كبيرة في هذا المجال وهم: كريم نجار، برنارد ملاّط، برنارد خوري، الكسندر زين، وشارل حديفي، ومروان زغيب، وجميعهم قاموا ببناء في مدينة بيروت حيث تحدثوا عن خبرتهم، فعلى سبيل المثال المباني الموجودة على واجهة مرفأ بيروت تدمرت كلياً فكيف هم تجاوبوا مع الموضوع فتخيل أنهم قاموا ببناء مبان جميلة من ثم تدمرت كلها واليوم يعيدون بناءها وبالتالي هذا الأمر مهم جداً للطلاب الذين يتخصصون في الهندسة المعمارية لكي يكون هناك تبادل الخبرات والمعرفة التي تعزز الثقافة والعلم في لبنان، والذي للأسف بدأنا نفقده اليوم في لبنان ولكن هذه المسابقة تدفعنا لاعادة الحياة للمهندسين المعماريين لتعزيز الثقافة والحشرية العلمية ليخدموا بلدهم. وهذا الأمر موجود في العالم ولكن في لبنان ليس الأمر كذلك، الا أننا ومع مساعدة “انسبيريللي” نتمكن من ابراز هذا الوجه بطريقة وبمستوى عال. طبعاً قدم طلاب من الخارج للمشاركة في الاحتفال لاعلان فوز المشاركين في هذه المسابقة، لقد أتى تقريباً 40 طالباً مع أساتذتهم فاستقبلناهم في المطار. لا شك أن الجوائز قيّمة ولكن الوزارة ستساعد أيضاً الطلاب ليساهموا بوضع خطط مستقبلية كيف سيُعاد بناء مرفأ بيروت وهذا الأمر مهم جداً. وأطلب من كل المهندسين المعماريين لتعزيز التبادل الثقافي ولكي نشارك ونفكر ببيروت وبمستقبلها وكيف سيكون مستقبل بيروت المعماري، فاذا لم نفكر الآن متى سنفعل؟
ايليو جعجع وزرع الأمل بعد الانفجار المدمر
وعن التضامن فيما بينهم كمهندسين معماريين للتعبير عن حبهم لمدينة بيروت قال المهندس المعماري ايليو جعجع:
– عندما تحدث معي الكسندر زين عن فكرة المشروع شعرت بالارتباك نوعاً ما لأن الموضوع حسّاس جداً لكي نأتي ونتحدث عن اعادة اعمار مرفأ بيروت، لا سيما أن الناس كانوا يمرون بأوقات عصبية جداً بعد الانفجار المدمر وفي ظل أزمة مالية واقتصادية واجتماعية قاسية جداً. صحيح أن هناك رسامين رسموا بيروت وفنانين غنوا لبيروت ولكن نحن كمهندسين معمارين يعني أردنا أن نعبّر عن وجعنا وألمنا بشيء نقدمه لمدينة بيروت فكانت المسابقة الطريقة التي عبّرنا فيها تجاه هذه المدينة.
وتابع:
– كان همنا الأكبر ايصال الفكرة بأننا الى جانب بيروت وليس أننا نريد أن نغيّر واجهة بيروت وما حصل في 4 آب “أغسطس”، لا شك أن ما حصل في ذلك اليوم هو كارثة للعالم أجمع وليس فقط للبنان. ومن الجميل أن يتضامن الناس جميعاً لكي نظهر ماذا نقدر أن نقدم للبنان كصورة أفضل… وبفوز الطلاب اللبنانيين في هذه المسابقة منحوا الأمل للجميع وبأن هناك فرصة أمام الشباب اللبناني لكي يعبروا عن حبهم لبيروت من خلال قدراتهم المهنية وابداعهم. لقد لمسنا ذلك من خلال لقد اندفاع الجامعات والطلاب الذين كانوا يتواصلون معنا لكي يبرزوا قدراتهم في مجال الهندسة المعمارية في ظل ظروف صعبة جداً في البلد، ومع ذلك استطاعوا أن يقدموا مشاريع رائعة ومبدعة ليقولوا إنه مهما كانت الظروف قاسية يبقى الأمل موجوداً، وإنه لشرف كبير لنا أننا أفسحنا المجال للطلاب لكي يبرزوا قدراتهم بهذه الطريقة الجميلة والمبدعة.
وردية بطرس موقع افكار