كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تتقاطع المبادرات الرئاسية في لبنان مع اهتمامٍ دولي مواكبٍ لترسيم الحدود من جهة والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي من جهة أخرى، وسط «ترقّب» دول الخليج العربي لتماهي قوى سياسيّة لبنانية مع محور المقاومة الذي أوصل لبنان إلى «جهنّم» جرّاء هيمنة «حزب الله» وحلفائه على المؤسسات الرسميّة للدولة.
وإلى جانب الإهتمام الأميركي المواكب لترسيم الحدود، تستثمر فرنسا في اتصالاتها التي أثمرت إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها (أيار 2022)، وذلك بعد تعثر المبادرات التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون عقب تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، آملة أن تتكلل الجهود واللقاءات المكثفة التي تقوم بها مع القوى المعنية في الملف اللبناني في إعادة تكوين سلطة صديقة للمصالح الفرنسيّة في لبنان والمنطقة.
وفي هذا الإطار، طغى الإستحقاق الرئاسي على اللقاءات التي شهدتها العاصمة الفرنسيّة قبل أيام بين الجانب الفرنسي ووفد رفيع المستوى من المملكة العربية السعودية ضمّ مستشار الديوان الملكي لشؤون لبنان نزار العلولا وسفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري ومسؤولين آخرين. وعلمت «نداء الوطن» من مصادر متابعة، أنه إلى جانب التأكيد السعودي على أهمية إجراء الإستحقاقات الدستورية في موعدها، جرى التشديد أيضاً على أهمية أن يشكل هذا الإستحقاق مؤشراً لخروج لبنان من الفراغ «القائم»، واستعادة مكانته وصداقاته على الساحة الدوليّة، تماشياً مع المساعي القائمة بين الطرفين (السعودي والفرنسي)، والتي توجت عملانياً في بيان جدّة الذي أعقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية ولقائه الأمير محمد بن سلمان، والذي جدد التأكيد على ضرورة تطبيق الدستور والطائف وقرارات الشرعية الدولية وتحديداً 1559، 1680، 1701.
ولم تقتصر لقاءات الوفد السعودي على المسؤولين الفرنسيين، بل شملت عدداً من السياسيين اللبنانيين الذين صودف تواجدهم في باريس.
وخلافاً للتوجه الفرنسي الذي يجد في إيصال إيٍ من المرشحين إنجازاً له، تجد المملكة العربية السعودية نفسها بغنىً عن الغوص مجدداً في تكرار تجربة الرئيس ميشال عون والتطمينات التي قُطعت لها حينها، على أن انتخابه سيؤدي إلى إعادة تموضعه في الوسط، ليعمد الرئيس عون لاحقاً إلى الإنقلاب على التطمينات التي رافقت إنتخابه والتموضع أكثر إلى جانب «حزب الله» على الرغم من الرسائل الوديّة التي حملها أمير مكة إلى بيروت في زيارة التهنئة، و»الإستقبال» الذي حظي به الرئيس عون لاحقاً خلال زيارته إلى «المملكة”.
ومع استبعاد السعودية تكرار هذا السيناريو، لا تجد نفسها معنيّة في احتضان العهد القادم والإنخراط في تقديم الدعم المطلوب لاستعادة لبنان عافيته إذا كان خيار اللبنانيين الإتيان برئيسٍ يستكمل مسيرة الرئيس ميشال عون، ليترافق هذا الحذر مع الإنطباع العائم السائد عن تقدم اسم الوزير السابق سليمان فرنجيّة المدعوم من إيران وحزب الله على غيره من الأسماء المتداولة. ويتلاقى الموقف السعودي أيضاً مع حذر عدد آخر من الدول التي تجد نفسها بعيدة عن تكرار هذه التجربة أيضاً رغم التطمينات الفرنسيّة – الإيرانية التي يُعمل على تسويقها.
ولا تستبعد المصادر نفسها، إنعكاس التعقيدات التي ترافق مفاوضات فيينا على الساحة اللبنانية، بحيث تعمد إيران إلى انتخاب رئيس مؤيد لها في لبنان قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، في محاولة لتكرار فرض التمديد للرئيس اميل لحود في العام 2004، غداة صدور القرار 1559، ويشكل التمديد حينها، رسالة مواجهة من قبل النظام السوري إلى الغرب الذي تبنى في 2 أيلول 2004 القرار الدولي 1559 الرافض له.
وتوقفت المصادر عند جدّية الرسائل التي حملها الجانب السعودي والتأكيد على أن إنجاح الإستحقاق الرئاسي لا يقتصر على إيصال رئيس جديد إلى بعبدا، إنما يكمن في سعي هذا الرئيس وقدرته على استعادة علاقات لبنان العربية والدولية، تمهيداً لعودة الإستثمارات العربية والدولية الى لبنان والتي تجد فرنسا نفسها أمام تحدٍ كبير نتيجة تجاهل موقف دول مجلس التعاون الخليجي، وسط التحديات الماليّة الجمّة التي تعاني منها دول الإتحاد الأوروبي على أبواب شتاء قارس جرّاء الحرب الأوكرانية – الروسية وارتداداتها على دول «الإتحاد»، ما يؤكد وفق الجهات المتابعة نفسها أن تجاهل الفراغ لا يكون بانتخاب رئيس معادٍ للدول الصديقة للبنان، إنما من خلال انتخاب رئيسٍ «غير متلون» يسعى إلى تمكين لبنان من استعادة مكانته العربية والدولية إنطلاقاً من التزامه بتطبيق وثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، الدستور اللبناني، وقرارات الشرعية الدولية 1559، 1680، و1701.