المجلس الوطني للبحوث العلميّة: على خطّ النار

كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:

يشكّل مركز الاستشعار عن بعد في المجلس الوطني للبحوث الذراع العلمية المساعدة وخط الدفاع الأول في مكافحة حرائق الغابات ومراقبة الغطاء النباتي في لبنان وتطوره، إذ يقع تحت عين المركز 3076 كيلومتراً مربعاً من المساحات الحرجية في لبنان، يضاف إليها 3008 كيلومترات مربعة من الأراضي الزراعية تجمع كل المعلومات الخاصة بها يوميّاً بهدف حمايتها من الحرائق والحفاظ عليها.

يخلق العمل العلمي البحت نوعاً من الجفاء بين المراكز البحثية والجمهور، فالمواد العلمية بعيدة عن اهتمامات هذا الأخير اليومية. ولكن يحدث أن ينشر مركز علمي مادة يحتاج إليها الجمهور بشكل كبير فتلفت الانتباه إليه، وهذا ما يقوم به المجلس الوطني للبحوث العلمية يومياً على منصة “تويتر”، إذ يقوم مركز “الاستشعار عن بعد” فيه بنشر خريطة يومية للأراضي اللبنانية يحدّد فيها “مؤشر خطر اندلاع الحرائق” بناءً على عدد من المعطيات، وعليه يمكن القول بدايةً إنّ مكافحة الحرائق تنطلق في لبنان من المجلس الوطني للبحوث العلمية الذي يشكل إلى جانب عدد من الوزارات والأجهزة الرسمية “وحدة إدارة المخاطر” في مجلس الوزراء المعنية مباشرة بالحد من مخاطر الكوارث.

تحليل البيانات

يعمل “مركز الاستشعار عن بعد” على رصد الكوارث وتقدير النقاط الساخنة قبل وقوع أي مشكلة، وذلك عبر جمع المعلومات وتحليلها، لتحويلها إلى أنظمة إنذار فعالة بعد نشرها. ويعتمد المركز في عمله على الاستفادة من الصور الفضائية الآتية من مجموعة أقمار صناعية EUMETSAT عند مرورها فوق الأراضي اللبنانية لمعرفة نوعية الأرض (صخرية، ترابية)، حرارة الجو والتربة، نسبة الرطوبة في النبات والجو، وكمية المواد الميتة في الغابات والأحراج التي تعتبر “الوقود الأساسي” لأيّ حريق محتمل. هذه المعلومات يجري تحديثها كل 6 ساعات، وتُقاطع مع البيانات الآتية من محطات رصد الطقس المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية، ومحطات مراقبة الثلوج (فاريا، الأرز والباروك)، ومصلحتي الأرصاد الجوية والأبحاث الزراعية. نتاج هذا الكم الهائل من المعلومات يعطي بعد تحليله بمساعدة برامج محاكاة خاصة صورة واضحة تشير إلى “النقاط الأكثر احتمالاً لاشتعال النيران” و”تركيزها على الأحراج اللبنانية”. وبالتالي يرسم المركز على خريطة لبنان “مؤشر خطر الحرائق” مصنفاً إلى: متدنٍّ جداً، متدنٍّ، متوسط، مرتفع، مرتفع جداً وشديد.

كـ”جهة علمية”، يرى الدكتور شادي عبد الله مسؤول “المنصة البيئية للإنذار عن بعد” أنّ دور المجلس ينتهي عند هذا الحد، إذ يقوم بنقل هذه المعلومات إلى “وحدة إدارة المخاطر” في مجلس الوزراء و”يساعدها في التقدير وأخذ القرار”، وبدورها ترسل وزارة الداخلية المعلومات إلى البلديات للتدخل حيث يشير المؤشر إلى “الخطر الشديد”. فمركز الاستشعار لا يصدر خريطة عامة للبنان، بل يقوم بتحديد البلديات المعرّضة للخطر الشديد لأخذ الحيطة والحذر في نشرة يومية مؤلفة من 14 صفحة، بالإضافة إلى منصة إلكترونية يمكن لأيّ مهتم أن يطّلع على معلوماتها.

مكافحة الحرائق

عند اندلاع أيّ حريق، يتواصل “مركز الاستشعار عن بعد” مباشرة مع الدفاع المدني لمعرفة إحداثية الحريق، ومن بعدها يتم تفعيل برنامج “تتبّع الحرائق”، الذي يقوم بتحليل حركة الرياح وسرعتها واتجاهها والرطوبة بغرض معرفة كيفية تحرك مقدمة النار أو ما يعرف بـ”تاج الحريق”، لإعطاء فرق الإطفاء على الأرض التوجيهات اللازمة. فتحليل البيانات والصور الجوية المتاحة عبر الأقمار الصناعية يعطي قدرة مناورة أكبر لعناصر فرق الإطفاء على الأرض. هذا التنسيق يتمّ دائماً عبر “وحدة إدارة المخاطر” في مجلس الوزراء. وعلى سبيل المثال، خلال حرائق عام 2019 الشهيرة، يشير عبد الله إلى “أنّ المركز أصدر عدة إنذارات منبّهاً من مشكلة كبيرة مقبلين عليها في فترة بعد الظهر”، خلافاً لكلام من كان على الأرض القائل بـ”أن الأمور تحت السيطرة”. وبناءً على توصية مركز الاستشعار عن بعد، “حرّكت الحكومة بروتوكولات التعاون مع الاتحاد الأوروبي والدول العربية المجاورة التي ساعدت طائراتها القادمة من قبرص وتركيا واليونان كما الأردن ومصر في إخماد جزء لا يستهان به من النيران”.

تقارير بالكوارث

أما بعد إخماد النيران، فيعود المركز للعمل على تقدير حجم الخسائر لناحية شدة النيران والمساحة التي أتت عليها ودرجة الاحتراق. الصورة العامة لدى الناس أنّ “الحريق يدمر الغابة دائماً”، بينما الحقيقة العلمية تقول “إنّ الغابات تعاود نشاطها بعد إخماد النيران”، ولا ضرورة للتدخل بـ”حملات تشجير” قد لا تكون مفيدة لأنّها تدخل أنواع أشجار جديدة لم تكن موجودة سابقاً فيكون تأثيرها سلبياً. بالإضافة إلى ذلك، يدرس مركز الاستشعار عن بعد نوعية الأشجار المحروقة ويصنفها إلى: حرجية، مثمرة وأعشاب، ويقوم من بعدها بإدراجها في تقارير إحصائية يذكر فيها عدد الحرائق بشكل يومي ومناطقي بما يفيد لاحقاً في تحديد موسم الحرائق والمناطق الأكثر عرضة للخطر.

أخيراً يؤكد عبد الله “في لبنان، الإهمال هو السبب الأساسي لاشتعال الحرائق”، علماً بأنّ “حرائق الغابات، بشكل عام، يمكن أن تكون طبيعية وغير مفتعلة وناتجة من عملية التخمر، بالإضافة إلى عوامل الرطوبة والحرارة”، ويشبّه الأمر باشتعال النيران في أهراءات مرفأ بيروت. تكاتف عوامل الاشتعال في نقطة معينة “يطلق الشعلة الأولى، وإذا كانت الأحوال الجوية ملائمة لناحية انخفاض الرطوبة واشتداد سرعة الرياح نكون أمام حريق غابات طبيعي”.

وفق “منصّة الإنذار المبكر”، بلغ عدد الحرائق منذ عام 2016 حتى اليوم 21 ألف حريق، أتت على 6500 شجرة حرجية و2600 شجرة مثمرة، عدا المساحات العشبية. سنة 2016 سجّلت أكبر عدد من الحرائق وصل إلى 4488 حريقاً.

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …