كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
بين مازوت شركة المياه المفقود، وصناديق البلديات الفارغة ضاع حلّ أزمة المياه في القرى وباتت عطشى بمعظمها. صرخات الأهالي تتصاعد، ولكن على الأرض لا حلول، ومشاريع الطاقة الشمسية عالقة في الكلفة الباهظة.
لا يوجد قرية أو بلدة في منطقة النبطية لا تعاني، بل على العكس خنقت الأزمة الناس ممن باتوا يتكبّدون شهرياً بحدود المليوني ليرة لبنانية كلفة شراء المياه، من دون باقي الفواتير.
كلّ ما يحكى عن حلحلة لا يعدو كونه خبريات ومورفيناً مخدراً لا أكثر، العلّة بحسب المعنيين تكمن في المازوت وسوء توزيع المياه وأيضاً في فتح السِكرْ وإقفال السِكرْ، فالموزّعون باتوا جمهورية بحد ذاتهم، يعتمدون نظام «إدفع لتحصل على المياه»، ما أدّى إلى أزمة سوء توزيع وشكاوى.
لا يخفي عماد سطوة موزّعي المياه في القرى على إكسير الحياة هذا، ويعلّلها بقوله « فاتحين جمهورية ع حسابهم، يتبعون سياسة الدفع لقاء المياه، ما يعني المدعوم بياخد مي»، وفق عماد فإن منزله محاذٍ للآبار الجوفية في بلدة أنصار، ومع ذلك يعاني الشح في المياه بسبب استنسابية الموزع.
يتحكّم موزّعو المياه برقاب الناس، يحققون الأرباح الطائلة، وعادة ما يأتمرون لأشخاص يتبعون سياسة النكايات والكيديات لتعطيل أيّ حل، ما فاقم الأزمة أكثر، وبحسب محمد فإن الموزع يعتمد نظام «فتح وتسكير السكر على الأحياء، وعادة ما يفتحه للحيّ الذي يدفع أكثر، من هناك نلحظ وجود أحياء تنعم بالمياه وأخرى تعاني الأزمة الخانقة».
لم تتمكن الطاقة الشمسية للآبار من حلّ المعضلة، على العكس، أدخلت العديد من القرى في جوّ من المناكفات الحزبية، «مين بيدفع ومين بينفذ… وغيرها». حاروف إحدى القرى التي تعاني أزمة مياه حادة رغم وجود ثلاثة آبار جوفية داخلها، غير أن الأزمة تستفحل يوماً بعد يوم ولم تفلح المساعي في وضع حدّ لها، بل زادتها تعقيداً، حتى مشروع الطاقة الشمسية لأحد الآبار دخل بازار التجاذبات الحزبية، ما قد يعطّل الحلّ، وربما يدفع باتجاه فتح جدل واسع حول «أحقية المشروع».
لا تهدأ حركة الصهاريج، هاتف حسين لا يتوقف عن الرنين، الناس عِطاش، وكلفة المياه تثقل كاهلهم ولا تخفى معاناتهم، حتى أنهم يتشاركون في النقلة الواحدة ويعتمدون نظام التقنين في الإستهلاك.
كان الناس يعوّلون على المشاريع المائية القائمة على السدود عند نهر يحمر والوادي الأخضر، وهذه كان يمكنها حلّ معضلة المياه وأيضاً الكهرباء عبر توليدها منها، ولكن مشاريع المياه التي عمرها من عمر مشروع عبد العال، ما زالت حبراً على ورق، فيما يتخبّط الأهالي بأزمة مياه لم يسبق لها مثيل على الإطلاق، وكأنهم يتحضّرون لزمن التسعينات حيث ظلّت المياه مقطوعة ثلاثة أشهر متتالية، وكان الأهالي يقصدون الينابيع للتزوّد بها عبر الغالونات، مشهد ما زال ماثلاً أمام أم محمد التي تتذكر حين كانت تحمل الملابس إلى «الحاووز» لغسلها وملء غالونات المياه «وقتها ذقنا المرّ، واليوم يبدو أنهم سيعيدوننا إلى هذا العصر مع فارق أننا لن نلجأ الى الحاووز بل الى أصحاب الصهاريج الذين يتحكّمون بالأزمة ويحقّقون الأرباح فالنقلة باتت كالبورصة كل يوم سعر وفق سعر الصرف، والمعنيّون في خبر كان فعلى من تقرأ مزاميرك يا داوود؟».