كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
في الذكرى السنوية الثانية لجريمة تفجير مرفأ بيروت، لم يطرأ أي جديد على صعيد التحقيق ومعرفة الحقيقة وإحقاق العدالة، وكأن أهالي الضحايا ومعهم معظم اللبنانيين يحتاجون إلى أكثر من 4 آب ليدركوا هذه الحقيقة وليتوصلوا إلى العدالة. وربما كان مشهد انهيار الصوامع في إهراءات المرفأ أبلغ دليل على انهيار العدالة بعد مرور سنتين على الكارثة التي حلّت ببيروت وأهلها في ظل الشلل المتعمّد لعمل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي على الرغم من كل التهديدات التي وصلته من حزب الله وعلى الرغم من كل دعاوى الرد والارتياب ما زال صامداً رافضاً التنحّي عن مهمته.
والغريب في الذكرى الثانية هو حجم المواقف التي صدرت عن كبار المسؤولين الذين شددوا على إحقاق الحق والعدالة، فيما بعضهم مشتبه به أو متهم بتعطيل التحقيق وعرقلة سير العدالة، حتى بات البعض يتندّر ويسأل هل يا ترى مرفأ بيروت فجّر ذاته كما فعل الرئيس رفيق الحريري؟!
وإزاء هذا التعطيل للتحقيق وإزاء إنحلال الثقة بالقضاء اللبناني وبقدرته على الوصول إلى الحقيقة، بدأ العمل من أجل تدويل القضية عبر المطالبة بلجنة تقصّي حقائق دولية محترفة تتولى التحقيقات وكشف مَن أحضر نيترات الأمونيوم إلى المرفأ ومَن أمر بتفريغها من السفينة خلافاً للأصول ومن غطّى بقاءها سنوات في العنبر الرقم 12 ومَن سحب منها مئات الاطنان؟
وقد تقاطع مطلب أهالي الضحايا مع مسعى قوى سياسية معارضة من خلال مذكرات تمّ توجيهها إلى المجلس العالمي لحقوق الإنسان وإلى سفراء بعض الدول وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مع عتب يلقيه بعض الأهالي على فرنسا التي التزم رئيسها إيمانويل ماكرون بالمساعدة في التحقيق فيما لم يزوّد أحد الدولة اللبنانية بصور عن الأقمار الصناعية قبل وبعد المرفأ باستثناء روسيا التي لم تقدّم أو تؤخّر صور أقمارها. وهذا ما يجعل البعض يشكّك في امكان جلاء الحقيقة ولاسيما أنه سبق لفرنسا وللولايات المتحدة أن أرسلا فريقين متخصصين إلى مرفأ بيروت لإجراء التحقيقات ولكن من دون أن تُعرَف النتيجة، حتى أن البعض يعتقد أنه تمّ العبث ربما بمسرح الجريمة لإخفاء أي أدلة تثبت تورّط إسرائيل بقصف النيترات بصواريخ دقيقة، بموازاة وقوع جرائم غامضة في الداخل طالت أشخاصاً على صلة بالمرفأ أو ربما لديهم معلومات حول النيترات على غرار العميد المتقاعد في الجمارك جوزف سكاف الذي أخطر السلطات بخطورة مادة النيترات على السلامة العامة، ثم مقتل المصوّر جو بجاني أمام منزله في الكحالة وسرقة الكومبيوتر الذي كان يحوي صوراً عن موكب أمني متضرّر في المرفأ وصولاً إلى اغتيال المعارض الشيعي لحزب الله لقمان سليم الذي ربط بين النيترات وبين البراميل المتفجرة التي كانت تًستخدم في قصف المدن السورية. وهذا التواطؤ بين الخارج والداخل على إخفاء الأدلة جعل أحدهم يربط بين إخفاء صور الأقمار الصناعية لتفجير 4 آب وبين تسريع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
تزامناً، ثمة من يسأل إذا كان المحقق العدلي القاضي بيطار يرفض التنحّي والرضوخ لتهديدات مسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، فلماذا لا يصدر القرار الظني المنتظر كي تنجلي الأمور وإذا كان استبعد فعلاً فرضية تعرّض المرفأ لصاروخ بعدما أجرى تجربة على رواية التلحيم وجرى استبعاد أن تكون شكّلت الشرارة لإشعال النيترات.
وفي هذا الإطار، حثّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المحقق العدلي على استئناف عمله. ولفت قوله في خلال إحيائه الذكرى الثانية للتفجير «أن تجميد التحقيق يساوي بين البريء والمذنب» ورفضه «أن يكون بعض المتهمين مذنبين وطليقين وبعضهم الآخر أبرياء ومعتقلين ومن بينهم من كتب إلى السلطات المعنية ونبّه ولا استجابة بل هو موقوف منذ سنتين من دون محاكمة». وفي كلام البطريرك إشارة واضحة إلى ظلم يلحق بالعديد من الموقوفين وفي طليعتهم المدير العام للجمارك بدري ضاهر وغيره ممن يقبعون في الاعتقال كالمدير العام السابق شفيق مرعي والمتعهد سليم شبلي.
ووفق معلومات “القدس العربي”، فإن بدري ضاهر الموقوف منذ سنتين أبلغ المحقق العدلي إنعدام علاقته وحتى معرفته بقضية نيترات الأمونيوم، وأن التباساً حصل بشأن وظيفته لدى تفريغ النيترات ونقلها إلى العنبر الرقم 12 حث تمّ اعتباره رئيساً لدائرة المانيفست والمخازن الجمركية المعنية بالعنبر، فيما هو انتقل من دائرة المانيفست في تموز 2014 وبعد ذلك بأربعة أشهر تمّ إنزال المواد إلى العنبر. واللافت أن توقيف ضاهر تمّ بعد اتهام إداري مسبق له وحرمانه من حق الدفاع عن النفس وعدم احاطته بالجريمة المسندة إليه وتلخيص وقائعها وعدم إطلاعه على أي دليل متوافر أو شبهة قائمة ضده وعدم إبلاغه بقرار توقيفه وأسبابه.
وعلى غرار بدري ضاهر، هناك موقوفون باتوا مظلومين بعدما تجاوزوا مدة الاعتقال وبدأوا يشعرون بالعذاب الذي يستحيل مستقبلاً محو آثاره النفسية والتعويض عنه. وبعدما كان الإعلام اللبناني يتجنّب الدفاع عن هؤلاء الموقوفين وعرض قضيتهم خشية من نقمة أهالي الضحايا، فإنه بات يعد تقارير عن وضعيتهم ويستقبل أهاليهم بالتزامن مع استقبال أهالي الضحايا حيث يشدّد الطرفان على أن قضيتهم واحدة وهي الوصول إلى الحقيقة والعدالة.
ولان الحقيقة لا تزال مجهولة، تأتي مطالبة الأمم المتحدة بالتدخل العاجل وإرسال فريق تقصي حقائق للتحقيق بالانفجار، في وقت ما كادت شمس 4 آب تغيب حتى شرع بعض أركان المنظومة الحاكمة ولاسيما التيار الوطني الحر والرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تبادل أقسى الاتهامات بالفساد والصفقات والنعوت بدل التركيز على كيفية إنصاف أهالي الضحايا والموقوفين.