المعادلة العلمية بسيطة: في ظلّ وجود بعض كميات القمح في الأهراء، وارتفاع نسبة الرطوبة في الموقع المحاذي للبحر، فإن ارتفاع درجات الحرارة يسرّع من عملية تخمير هذه الحبوب، ويؤدّي إلى انبعاثات لغاز الميثان، ممّا يرجّح استمرار الحريق، الذي نشهده منذ أسبوعين.
هكذا بدأ مدير قسم الكيمياء في جامعة القديس يوسف الدكتور شربل عفيف حديثه لــ”النهار”، مشيراً إلى أن “التدخل المباشر لاستخراج كمية الحبوب المتبقّية يبدو أمراً صعباً جداً في ظلّ وجود بنى تحتيّة غير ثابتة للأهراء”.
إخماد الحريق بالماء
ماذا عن محاولة إخماد الحريق بالماء، قال: “هذا تدبير موقت لأن العوامل المناخيّة كلها، التي أشرنا إليها سابقاً، ستُساهم في عودة الحريق في ظلّ ارتفاع نسبة الرطوبة من جراء إخماد الحريق بالماء وانبعاث مادة غاز الميثان؛ وهكذا تتكرّر الأمور، وندور في حلقة مفرغة”.
وقارب ما يحصل اليوم مع “سيناريو” واقعيّ نشهده في مطامر النفايات جرّاء وجود نفايات عضوية، ممّا يؤدّي إلى انبعاث غاز الميثان، الذي صدر – على سبيل المثال – من مطمر الناعمة، وأثار بلبلة بين المواطنين منذ فترة وجيزة بسبب عدم تنفيس هذا الغاز.
وإعتبر الدكتور عفيف أن “بيان وزارتي الصحة والبيئة علميّ، وقد تضمّن إرشادات علميّة وصحيّة لمواجهة تداعيات سقوط الأهراء على السلامة العامة، “مشيراً إلى أنّها “المرّة الأولى، التي يصدر من جهات رسمية بيان علميّ خارج سياق الإرشادات والنصائح المتبعة أثناء العواصف الرعديّة أو تساقط الثلوج أو اندلاع حرائق جراء ارتفاع الحرارة خلال فصل الصيف”.
ماذا عن حجم سقوط الأهراء؟ قال:
“لا يُمكن تحديد حجم الانهيار. ما هو أكيد أن البنى التحتية للأهراء غير متينة بعد الانفجار المشؤوم في 4 آب، وهي عرضة لانهيار جزئيّ أو كليّ”.
وأشار إلى المناطق الأكثر تأثراً بالانبعاثات الصادرة عن الانهيار، موضحاً أنه لا يجب إخلاء المنطقة المحيطة بالمرفأ وضواحيها، إضافة إلى أنه “لا يجب أن نصاب بأيّ نوع من الهلع، فالإجراءات المذكورة كافية”.
لكنه لفت إلى أنه لا يمكن أن نقدّر حجم الانهيار الممكن للأهراء، ممّا يدفع بكلّ واحد منّا إلى التقيّد بالإرشادات العلميّة والصحيّة، التي لحظها البيان الصادر عن وزاتي البيئة والصحة،” مشيراً إلى أنّ تأثير الانهيار على شعاع 500 متر ينحصر بداخل المرفأ مباشرة، مع التأكيد أنّ تصاعد الغبار قد يصل إلى ارتفاع يتراوح من 50 إلى 60 متراً، وتوسّعه منوط بسرعة الرياح وتحرّك الهواء”.
شعاع 1500
وقال: “في فاجعة 4 آب، دفعت حركة الهواء، وسرعة الرياح الملوّثات بأغلبيّتها باتّجاه البحر قبل أن تتّجه الكمّية المحدودة المتبقّية بعد ساعات عدّة إلى العاصمة بيروت وضواحيها”.
وذكر “أننا نتوقّع تأثيراً محدوداً جداً على قرابة 1500 متر لأن الجزيئات الصادرة من الانهيار لا يمكن أن تنتقل في الهواء مسافات بعيدة بالكيلومترات، بل تقع أرضاً على مسافة قريبة نسبياً”، مشيراً إلى أن “أيّ انهيار للأهراء – مهما كان جحمه – سيصدر منه غبار ممزوج بغبار القمح المخمّر بفطريّات مضرّة بالصحة والجهاز التنفّسيّ، خاصّةٍ للمصابين بداء الربو وكبار السنّ”. وأضاف أنّه “أجريت دراسات علميّة بعد فاجعة 4 آب أكد الخبراء من خلالها خلو الأهراء من مادة الإسبستوس”.
للفطريات
ونبّه من أنّ للفطريات والغبار تداعيات صحيّة على كلّ القاطنين في محيط الأهراء، ممّا يفرض وضع كمامات N95، والجلوس في مكان مكيّف مع إغلاق محكم للنوافذ والأبواب وشرب الماء بانتظام تفادياً لجفاف الجسم من السوائل، مطالباً وزارتي الصحة والطاقة بتوفير الكمامات من جهة، والكهرباء من الدولة أو أصحاب المولّدات لتأمين التكييف للقاطنين في بيوتهم، مع أن موجة هذه الانبعاثات لن تتعدّى الـ24 ساعة بأقصى حدّ..”.