لزيارة البخاري للديمان دلالات في أكثر من اتّجاه والفاتيكان وباريس على خطّ المعالجة

بات الوضع في هذه المرحلة شبيهاً بالحقبة التي سبقت حقبة “قرنة شهوان” التي أسّست للاستقلال الثاني من خلال القوى السياسية والحزبية والمستقلين الذين شاركوا في هذا اللقاء، الأمر الذي أشار إليه بطريقة أو بأخرى البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عندما قال “البطريرك صفير حيّ فينا”، وكأن التاريخ يعيد نفسه بفعل التطوّرات والأحداث الراهنة مع فارق أن لبنان أخرج الوصاية السورية ويسعى اليوم لكفّ يد إيران عن تدخلاتها في البلد عبر فائض قوة “حزب الله ” الذي من خلال سطوته يُمسك بكل المفاصل وهو الآمر والناهي وصاحب القرار، وما كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله إلا مؤشر على هذا المعطى والآتي أعظم. ويبدي أحد أبرز السياسيين في مجالسه قلقه من أن يغطي الحزب ويحمي بقاء رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا إن لم تكن ظروف الرئاسة مؤاتيه له، بمعنى لم يتمكن من إيصال زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الى قصر بعبدا فعندها سيقتبس البلد حقبة أواخر الثمانينيات بتمرّد جديد وإن بأجواء وظروف مغايرة، وذلك رهن الحراك العربي والدولي الفاعل وغير المسبوق وبانتظار ما سينتج عنه حول الشأن الداخلي وعندها يبنى على الشيء مقتضاه، والى ذاك الحين فلبنان يمر في وقت ضائع حيث بدأت التحذيرات من أحداث أمنية واغتيالات سياسية وفوضى عارمة، ربطاً بالاستحقاق الرئاسي، الى حين التوصّل الى تسوية أو صيغة توافقية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وعوداً على بدء، فإن مشهدية الديمان ليست محطة عابرة أو انتهى مفعولها بل صداها يتردد في الداخل والخارج، وفق مصادر سياسية عليمة لـ”النهار”، مع ضرورة قراءة زيارة السفير السعودي وليد البخاري للديمان التي حملت أكثر من رسالة وإشارة بما معناه أن المملكة العربية السعودية الى جانب بكركي في السرّاء والضرّاء. وتنقل أوساط مقرّبة جداً من البطريرك الراعي، أن هناك علاقة عمرها أكثر من مئة عام جمعت بين المؤسس الملك سعود بن عبد العزيز مع بكركي ومستمرة على نهج هؤلاء الكبار، ولذلك زيارة السفير البخاري تصبّ في هذا الاطار حيث صبّت في خانة تضامنه ودعمه لبكركي في ظل ما تتعرض له من حملات جائرة، تالياً، عُلم أن تواصلاً حصل على مثلث الديمان – الفاتيكان – باريس على أن تتولى العاصمة الفرنسية اتصالاتها مع أصدقائها في لبنان على اعتبار ما جرى أمراً خطيراً ومن شأنه أن يسعّر الخطاب الطائفي والمذهبي ويؤدي الى منزلقات لا تحمد عقباها في ظل ظروف استثنائية يمر بها لبنان. ويُنقل في هذا الصدد غضب فاتيكاني وفرنسي حيال الإساءة لمطران يمثل أكبر مرجعية روحية في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن، وبناءً على هذه الأوضاع الخطيرة قامت السفيرة الفرنسية آن غريو باتصالات مع بعض الأطراف اللبنانية، والتشاور ما زال مستمراً بين دوائر الفاتيكان وفرنسا كي لا يستغل البعض هذا الحدث ويُقحم لبنان في فتن أو أحداث من شأنها أن تُدخله في أزمات وحروب جديدة ليس باستطاعة أحد أن يلجمها إذا أخذت أي منحى يخرج عن سيطرة الجميع.

توازياً، إن قضية المطران موسى الحاج تخطّت الأزمة القضائية وكل ما أحاط بها، وأدخلت البلد في مرحلة اصطفافات جديدة ففي خضم ما حدث مع المطران الحاج وتداعياته، فإن الاستحقاق الرئاسي كان حاضراً بين السطور بمعنى تجنب أكثر من مرشح ولا سيما من المعروفين، الإقدام على مواقف من شأنها أن تسبّب له أزمة مع “حزب الله” ولكل حساباته الخاصة وتحديداً من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى زعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، وإن كانت دفتهما تميل باتجاه “حزب الله” الذي يرعاهما سياسياً ويفصّل لهما بدلة الاستحقاق الرئاسي، ما يدل على أن ما جرى ستكون له ارتداداته لا على الاستحقاق الرئاسي فحسب، بل على الوضع السياسي الداخلي برمته في ظل المواقف التي أطلقت بين مؤيّد وداعم أو من خوّن وهدّد. وثمة التباس برز في موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لدى حلفائه في الصفين المسيحي والوطني، والأمر عينه حيال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى إذ بدوره وربما لطلب من سيد المختارة ذهب في موقفه الى ما يشبه الحيرة والتناقض في آن واحد. والسؤال وفق المتابعين: هل هناك من دفع جنبلاط لإطلاق هذا الموقف كرسالة إيجابية تجاه “حزب الله” وأمام الاستحقاقات الداهمة بمعنى أنه حمل أكثر من استنتاج وتأويل وهو الذي يعلم علم اليقين أن “حزب الله” من خوّنه ومن يبرع في سياسة تخوين الآخرين، وبالمحصلة الجميع يُدرك أن مثل هذه المواقف لا تلقى صدى إيجابياً لدى المحازبين بما فيهم جمهور جنبلاط بالذات.

النهار

شاهد أيضاً

“استقلال البلد مهدد”… باسيل: دخلنا في حرب لم يكن يجب أن نقع فيها

أكد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أنَّ “الحفاظ على الإستقلال هو أصعب من …