كتبت ندى ايوب في جريدة الأخبار:
انقضى أكثر من شهر على إضراب موظفي القطاع العام وشلّ الدولة، إنما يبدو أن السلطة ليست مهتمة بالأمر، وتراهن على تحوّل التحرّك إلى عامل استفزازٍ للمواطنين المعطّلة شؤونهم العملية والحياتية إلى أجل غير مسمى. لا مفاوضات ولا درس اقتراحات ولا أيّ نوع من التواصل بين الموظفين والحكومة مذ تنحّى وزير العمل مصطفى بيرم عن دوره كوسيط بين الطرفين.
الاثنين الفائت، دخل إضراب موظفي الإدارة العامة أسبوعه الخامس. وبحسب عضو الهيئة الإدارية لرابطة الموظفين إبراهيم نحال، فإن التفاوض مجمّد منذ عشرة أيام مرّت على تنحّي بيرم عن المهمة التي ألقاها على عاتقه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مستسهلاً تحميل وزير العمل عبء الوساطة بينه وبين الموظفين دوناً عن سواه، علماً بأن المعني المباشر هو وزير المال يوسف الخليل. وبخروج بيرم من المشهد، لم يكلّف ميقاتي نفسه متابعة القضية لا مباشرة، ولا حتى عبر وكيل كما فعل حين أسند المهمة إلى بيرم. غيبوبة ميقاتي وحكومته خرقتها أصوات عدد من النوابٍ تتحدّث عن تحسيناتٍ بات لا بد منها للعاملين في القطاع العام.
هذا التراخي في التعاطي مع قضية بهذا الحجم لا ينهي فقط ما تبقى من إدارة عامة، إنما بدأ يترك مفاعيله على إنتاجية القطاع الخاص، فتوقّف المعاملات بأنواعها المختلفة والضرورية لتسيير الأعمال في شتى القطاعات، من اقتصادية وتجارية ومالية وغيرها… يعطّل نشاط الشركات وحركة السوق. لكن يبدو أن ميقاتي وحكومته ليسا مهتمين بذلك.
آخر موقفٍ لميقاتي كان رفضه اقتراح الموظفين تقاضي رواتبهم على سعر 8000 ليرة، متذرعاً بالمفاعيل التضخّمية ومن دون أن يقدّم حلولاً بديلة. ليس لأن البدائل مستعصية، إنما توريطاً للموظفين وإظهارهم بأنهم يعطلون شؤون الناس التي قد لا تحتمل إطالة أمد الإضراب أكثر من ذلك. اللعب على هذا الوتر مهنة تحترفها قوى السلطة، والأمثلة كثيرة، إذ تستعمل هذا السلوك من أجل التنصّل من مسؤولياتها وإلقاء اللوم على الآخرين واستخدام ذلك ذريعة لمنع تحسين الوضع المعيشي للعاملين في القطاع العام.
تدرك رابطة الموظفين أيّ فخ ينصب لها. وبيرم كان حتى اجتماعه الأخير معها يسأل «الإضراب بوجه من؟» متمسكاً بحجّة أنه لا يمكن تنفيذ إضراب مفتوح. من جانبهم، لا قرار لدى الموظفين بالتراجع، بل على العكس، إذ خَلُص اجتماع روابط القطاع العام جميعها، الذي عقد أوّل من أمس، إلى الاتفاق على خطواتٍ تصعيدية، والتحضير للمؤتمر النقابي العام، التي تضعه الروابط في إطار «الصرخة للحفاظ على القطاع العام بوجه مخططات خصخصته، والتي في سبيل تحقيقها يراد للإدارة العامة أن تنهار، وهو ما يفسّر إهمال قضية الموظفين والرغبة بتفاقمها لا بحلّها»، يقول نحّال.
من غير المعلوم ما ستؤول إليه الأمور، وإلى متى سيستمر شد الحبال هذا، لكن الأكيد أن الموظفين يتعاطون كمن ليس لديه ما يخسره، بعدما جرّدتهم الأزمة من نظام الحماية وأفقدت رواتبهم وتعويضاتهم قيمتها، وهذا ما لا قدرة للسلطة على فهمه.