كتب رامح حمية في جريدة الأخبار
لا يمكن وصف ما حصل إلا بأنه تدخل من العناية الإلهية. عندما تستهدف الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلاً يضمّ أكثر من 50 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال وبينهم رضيعة لم يمض على ولادتها أكثر من 24 ساعة، ولا يُستشهد إلا ضيف العائلة فقط، قطعاً، هذه معجزة… بل هذا لطف إلهي.
هذه هي القناعة الراسخة لدى عائلة الشقيقين حسين وحسن البواري، اللذان استهدف الطيران منزلهما في بلدة طاريا قبل ثلاثة أيام من وقف إطلاق النار. لم يكن منزل الشقيقين إلا ملاذاً آمناً لأفراد عائلتيهما ومن بينهم بتول التي تقطن وزوجها علي الحاج حسن في مدينة بعلبك، لكنها انتقلت منها إلى منزل والدها خصوصاً أنها كانت حاملاً في الشهر الثامن. أمضت بتول ليالي العدوان كاملة في منزل والدها حتى تاريخ 9 آب، الذي صادف يوم أربعاء، حيث نقلت على وجه السرعة إلى مستشفى رياق العام على الرغم من خطورة التنقل حينها. تتذكر بتول لحظات الخوف والقلق وهي تتحدث عنها وإلى جانبها تجلس فاطمة، المولودة التي نجت يومها، وها هي تستمع مجدداً، وباهتمام إلى رواية والدتها عن لحظات ولادتها.
تروي بتول أنها أمضت ليلة مرعبة في المستشفى على وقع أصوات القصف. «في صباح اليوم التالي لوصولي، أدخلت إلى غرفة العمليات ولا أنسى مشهد امرأة كانت تحمل مولودتها وهي تبكي بعدما وصلها خبر استشهاد زوجها أثناء مواجهة العدو الإسرائيلي. لقد أطلقت على طفلتها اسم فاطمة أيضاً».
جرت الأحداث بسرعة، «ولدت فاطمة، وبعدها مباشرة طلبت منا إدارة المستشفى المغادرة حرصاً على سلامتنا وإفساحاً في المجال أمام معالجة الجرحى والمصابين الذين ملؤوا قسم الولادة». لُفّت فاطمة بجاكيت وانطلقوا من رياق إلى طاريا حيث منزل العائلة. عاش الجميع لحظات الفرح بالمولودة البكر لابنتهم بتول. وُضعت المولودة في سريرها الصغير ونامت والدتها قربها والوالد على الكنبة في آخر الغرفة. قرابة الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة، وبسبب بكائها، انتقل والد فاطمة للنوم وسط الغرفة فيما حسين البواري وضيوفه يجلسون في الفناء الخلفي للمنزل ينتظرون نشرة الأخبار الصباحية.
تؤكد بتول أنه قرابة الساعة السابعة وعشر دقائق سمعت صوت طرق متوسط مع ارتفاع في معدله لاحقاً، لتتحول الدنيا إلى اللون الأسود مع حجارة تتساقط «أتذكر أني حضنت فاطمة بينما كنت أسمع صوت أبي وهو يقول «يا أبي ماتوا أولادي» ثم رأيته بين الغبار يحزم بطنه بقميص امتلأ بالدماء».
جلست أرضاً وصارت تسمع صراخاً من مختلف الاتجاهات وأنيناً وسط الغرفة. لقد استُهدف المنزل بصاروخين، انفجرا في سفرة الدرج. استشهد ضيف العائلة من آل صقر من بلدة شمسطار، وأصيب حسين البواري وابنته آمنة وآخرين من أبنائه وأبناء شقيقه حسن بجروح. المولودة الحديثة أقفل الرماد والغبار أذنيها وأنفها وفمها فسلّمتها والدتها إلى زوجة عمها «التي عمدت إلى رمسها بالمياه وتنظيف وجهها حتى عاد التنفس بشكل طبيعي إليها، فيما ساعدت زوجي الذي كانت الحجارة تغطي جسمه. عندما بدأت برفع الحجارة اكتشفت أن عصف الانفجار دفع بسرير فاطمة إلى الوقوع بالمقلوب على وجه زوجي، فشكل ستاراً حمى وجهه من الحائط الذي انهار بكامله على الكنبة التي كان ينام عليها». خرج الجميع سالماً من المنزل وأسعف الجرحى، حتى فاطمة كانت بخير. فاطمة التي تتحضّر للاحتفال بعيد ميلادها على مدى يومين. يوم ولدت ويوم بعثت من تحت الأنقاض.
من ملف : حرب تموز: 16 عاماً من الردع