كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا يشي «الكلاش» المتوارث من آخر أيام حكومة تصريف الأعمال، بين رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، والفريق العوني، بأنّ مشوار التأليف قد ينتهي سريعاً إلى قيام حكومة جديدة قادرة على استلام صلاحيات رئيس الجمهورية في ما لو غرق الاستحقاق الرئاسي في مستنقع الخلافات الداخلية، ببُعدها الاقليمي. لا بل، يبدو أنّ الأمور إلى مزيد من التعقيد، والتصعيد!
إلى الآن، يتصرّف ميقاتي من منطلق أنه «مرتاح على وضعه». ليس مستعجلاً أو مضطراً لتقديم أي تنازل. وضع التكليف في جيبه، والبقية صارت تفاصيل ثانوية. فإمّا يقبل رئيس الجمهورية، ومن خلفه رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل بما سيعرضه في مسوداته، وأبرز مطالبه الحصول على حقيبة الطاقة، ولكن من دون التنازل عن حقيبة الداخلية، وإمّا فلتبقَ حكومة تصريف الأعمال قائمة. ويمكنها أن تصير حكومة برتبة «رئيس جمهورية».
أكثر من ذلك، يهوّل ميقاتي بعدم ممانعته في الدعوة لعقد جلسة للحكومة المستقيلة، في حال تعذّر الاتفاق مع رئيس الجمهورية على تأليف حكومة جديدة، وهو الذي سبق له أن فعلها في العام 2011 حين عقد جلسة لحكومة تصريف أعمال، مع العلم أنّ نادي رؤساء الحكومات السابقين كان يحاذر السماح لأي رئيس حكومة القيام بهذه الخطوة. ما يعني أنّه لا حراجة لدى الرجل في تجاوز ما سبق لأسلافه، من رؤساء الحكومات، أن رفضوا القيام به، وهو قد يلجأ إلى هذا الأمر في أي لحظة ممكنة، مع العلم أنّ التقديرات تشير إلى أنّ ميقاتي لن يخطو هذه الخطوة إلا بعد استنفاد كلّ سيناريوات التفاهم وبلوغ التأليف الحائط المسدود. لكنه يحاول توظيف هذه الورقة في «بازار» الضغط المبكر لدفع الفريق العوني إلى التعامل «بواقعية الاستسلام».
ولكن من يعرف الرئيس ميشال عون، يدرك سلفاً أنّ «زركه في الزاوية» لن يؤتي ثماره، حتى لو كان عهده في آخر أيامه، وهو لن يرفع راية القبول «بالأمر الواقع» مهما تكاثرت الضغوط من حوله. وفق بعض عارفيه، فإنّ المهام التي قد تلقى على عاتق الحكومة، لا سيما في ما خصّ ملف ترسيم الحدود اذا ما سلكت المفاوضات مساراً ايجابياً، تدفع بالفريق العوني إلى تكثيف مطالبته بحكومة مطعّمة ببعض الوجوه السياسية ليكون شريكاً بالمباشر بالقرارات التي قد تتخذها الحكومة.
وفق هؤلاء، فإنّ المسودة الأولى التي تقدم بها ميقاتي هي أشبه «بمسودة النكد» التي يُراد منها أن تُرد «مع الشكر» لأنّ رئيس الحكومة المكلف ليس متحمّساً بالأساس لتغيير الحكومة طالما أنّ توازناتها لا تزعجه. ولهذا رفع مسودة لا تستهدف إلا الوزراء الذين تولى رئيس الجمهورية تسميتهم، والغاية منها نزع حقيبة الطاقة من حصة الفريق العوني.
يضيف هؤلاء، أنّ رئيس الجمهورية لن يستسلم لواقع انسداد الأفق أمام مشاورات التأليف خصوصاً اذا تمسك ميقاتي بقاعدة «take it or leave it» بمعنى رفضه فتح باب التفاوض الجديّ للدفع باتجاه التأليف، وهو سيلجأ إلى كل الوسائل المتاحة لتحريك المياه الراكدة.
يشيرون إلى أنّ الاحتمالات الممكنة في هذا المجال، هي إمّا تطعيم هذه الحكومة ببعض الوجوه السياسية التي يريدها رئيس الجمهورية من باب الشراكة الفعلية في الحكومة، لا عبر ممثلين بالواسطة، وإمّا تنفيذ صدمة كهربائية من شأنها أن تؤدي إلى خلط الأوراق. ويبدو في هذا السياق، أنّ سيناريو «استقالة» الوزراء المسيحيين من الحكومة المستقيلة، وارد جداً. أي بمعنى مقاطعة أي عمل حكومي ووزاري. ويكون ذلك من باب افقاد مجلس الوزراء، في حال قرر رئيس الحكومة المستقيلة الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، ميثاقيته المسيحية، وذلك لقطع الطريق أمام هذا التطور. وبذلك، يكون الردّ المباشر على أي محاولة لرئيس الحكومة لاقفال باب مشاورات التأليف من خلال تعويم الحكومة المستقيلة.