كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
بعدما حسم موقفه كرئيس أصيل للحكومة من تحميل المصارف مسؤولية الخسائر، عاد نجيب ميقاتي كرئيس مكلّف إلى المناورة بطرح الصندوق (الائتماني) وأفكار جديدة أمام لجنة المال والموازنة. إنه الشخص نفسه يخطط من موقعين مختلفين، الاول كرئيس مودّع بخطة غير متينة يستحيل التوافق عليها. والثاني، كرئيس مكلف يسترضي الكتل النيابية لتسهيل التأليف وإعطاء الثقة. فميقاتي يعلم جيداً أن “الأفراد المرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالنخب السياسية يسيطرون على 43 في المئة من الاصول في القطاع المصرفي التجاري”، بحسب المقرر الخاص للامم المتحدة، أوليفيية دي شوتر، وبالتالي لن تمر أي خطة مهما كانت منطقية على حساب القسم الأكبر منهم.
حمل ميقاتي إلى جلسة لجنة المال والموازنة النيابية “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي” المقرة في 20 أيار، وأضاف اليها أفكاراً جديدة “غير مدرجة بالخطة، تتعلق بكيفية مقاربة ملف الودائع”، بحسب عضو تكتل الجمهورية القوية النائب رازي الحاج، “من ضمنها إنشاء صندوق استرداد الودائع”، تجمّع فيه الاموال من مصادر مختلفة “للتعويض عن شريحة المودعين التي تملك أكثر من 100 ألف دولار”.
الحاج الذي يؤكد أن ما طرح لم يخرج عن إطار الافكار المعروضة للنقاش، قال إنّ “الخطة الموزعة تقتصر على إعادة استنهاض القطاع المالي والنقدي ولا تتطرق إلى كيفية إعادة إطلاق الاقتصاد وتفعيله. وعليه فان حسم الموقف من أي طرح يتطلب خطة متكاملة مكتوبة تتضمن إضافة إلى الشق النقدي والمالي، بقية المطالب الاصلاحية، وأهمها: ترشيق القطاع العام، وإصلاح الإدارة، ومكافحة التهريب وخلق فرص عمل… وغيرها الكثير من المتطلبات المجمدة”.
الطامة الكبرى أنه بعد أقل من ثلاثة أعوام بقليل على انفجار الازمة ما زال النقاش عالقاً في مربع توزيع الخسائر الاول. وما يطرح اليوم من معالجات عبر صندوق (ائتماني)، يهدف إلى توسيع التعويض على المودعين ولا سيما منهم الشريحة الواقعة بين 100 ألف دولار والمليون دولار، والتي تشكل 99 في المئة من المودعين، و”هي تتطلب مصادر مالية قد لا يمكن تأمينها إلا من خلال إعادة إطلاق الاقتصاد”، برأي الحاج.
لعلّ أخطر ما في الطرح “الشفهي” الجديد للرئيس المكلف هو أمران: الأول، تضييع المزيد من الوقت على نقاش بيزنطي يتضمن انقسامات عمودية وأفقية كبيرة جداً. والثاني هو العودة إلى إمكانية استعمال اصول الدولة، أو جزء منها بطريقة أو بأخرى للتعويض عن الخسائر المحققة في المصارف. مع العلم أن الاستفادة الاكبر ستنحصر بمن يملك الودائع الاكبر. وهو ما يعرّض مبدأ العدالة في توزيع الخسائر لاهتزازات كبيرة.