في الذكرى الـ 46 لتهجير الدامور: سقوط شعار “أرضي ليست للبيع”

كتب جو متني:

لماذا هجّروا الدامور وأبناءها في العام 1976؟ وهل الذين افتعلوا المجازر وارتكبوا الفظائع كانوا أصحاب القرار التدميري، أو أداة تنفيذيّة بين أيدي عقول شرّيرة في مشروع اقليميّ ودوليّ وسخ لا يرحم وسط حسابات مصالح ولعبة أمم، هدفها تخريب لبنان، وفرز سكّانه جغرافياً وطوائفياً، وايقاظ نار الفتنة في سويسرا الشرق، وسلخ المناطق عن بعضها وفرزها عن محيطها.

هل من إجابة على هذه التساؤلات المحقّة والمشروعة بعد مرور 46 عاماً على مأساة الشرق ومجزرة القرن ببشاعتها ووحشيّتها وفظاعتها؟

هل أن فتح لاند وطموحات الحركة الوطنيّة ومن يقف وراءها حينها وقوى اليسار والتطرّف والمرتزقة ومخطّطات تهجير المسيحيّين من لبنان واقتلاع الدامور وتقطيع أوصالها وشرايينها لضمان خطّ التواصل والانتقال آمناّ بين بيروت والشوف والجنوب وصولاً إلى البقاع.

هل… هي التي أطلقت شرارة التهجير الذي لم تلتئم جراحه بعد، طالما لم تكتمل العودة إلى الأرض والسهل والبساتين والحدائق والعمارات المهجورة والكنيسة والمدرسة وتحت السنديانة.

في كلّ مناسبة لإحياء ذكرى التهجير والشهداء والمصابين والأرامل واليتامى، يتذكّر الدوامرة بمرارة وأسى شديدين. يتذكّرون الماضي الجميل وقصص الضيعة و”شَيْل” العرق وطبخ التين.

يتذكّرون الحرتقات التي يفتعلها المناصرون في الانتخابات البلديّة والاختياريّة. يتذكّرون الأحياء السكنيّة وتسمياتها المراح، البعل، الأميركان، الزحيط، مار مخايل، الحمرا، السيدة، مار الياس، ومار مارون…

قبل الأزمة الاقتصاديّة التي تفاقمت في السنوات القليلة الماضية، وزادتها تعقيداً أزمة فيروس كورونا الذي شلّ البلد أكثر من مرّة، رُفع شعار “الدامور ليست للبيع” في سياق الحملة التي شنّتها البطريركيّة المارونيّة والأبرشيات والرهبانيات والأحزاب والتيارات والقوى السياسيّة المسيحية اضافة الى حركة الأرض، وذلك لمواجهة ما أسموه الهجمة على تملّك “الغريب” العقارات في المناطق والمدن والبلدات والقرى المسيحيّة، وصدّ عمليّة انتقالها إلى غير المسيحيّين.

أدّى هذا الفرمان الشبيه بالفرمانات العثمانيّة المشبوهة إلى غير الغرض المرجو منه، وبالتالي إلى إيقاف حركة البيع والشراء بالمطلق، ومن ثمّ إلى تجميد العمران، وإلى شلل حركة استثماريّة واقتصاديّة وسياحية كان متوقّعاً أن تكون قويّة وتصاعديّة. فاستغلّ المقتدرون كالعادة حاجة البعض وفرضوا الأسعار البخسة التي تناسبهم والتي هي أقلّ بكثير من السعر الحقيقي.

وتحت الذريعة ذاتها، أي منع تملّك غير المسيحيّين، لم يتمّ تحرير نسبة الاستثمار في سهل الدامور وفي العقارات الواقعة على واجهة الاوتوستراد المسلك الغربي، حيث بقي التصنيف زراعياً بنسبة 5% .

وفيما لا تعرف نسبة العائدين اليوم الى الدامور بصورة دقيقة وشفّافة، وحتى لو تفاءل المتفائلون وحدّدوها بـ 30 الى 35%، فإنها لا زالت تدور حول الثلث فقط “غير المعطّل وغير البنّاء”، وذلك بعد 46 عاماً على التهجير، وبعد 30 عاماً على المؤتمر الوطني لعودة المهجّرين الذي انعقد في فندق الكارلتون في بيروت وكان وزير المهجّرين حينها المرحوم الياس حبيقة.

وللمفارقة، إذا فتّشت في غوغل على عنوان هذا المؤتمر بحثاً عن توصياته، يستحيل أن تجد أي مرجع يردّك إليه، بل تظهر، تحت عنوان مؤتمر الكارلتون، عناوين وتواريخ ومعلومات عن مؤتمرات للعودة تتعلّق بالنازحين السوريين.

اليوم، سقطت كلّ الشعارات، وبالكاد يدفن الناس موتاهم (بسبب كورونا). ولم تعد الأرض للبيع بحكم الأمر الواقع، وبسبب القبض على أموال المودعين في المصارف وتجميدها والشحّ بالعملة الصعبة، وبسبب قرف الناس وخوفهم من الأسوأ، ولألف علّة وعلّة.

“أرضي ليست للبيع” لم يعد شعاراً نابعاً عن اقتناع وإنما بسبب وضع اقتصادي ومالي ومصرفي مهزوز وشبه منهار.

قد يفكّر أناس كثيرون ببيع أملاكهم إذا تمكنّوا من عقد صفقة متوازنة تحصّل أموالهم وتمهّد لهم الطريق إلى الهجرة.

قبل خمس سنوات من الأزمة، كان يقول وزير الصناعة السابق الدكتور حسين الحاج حسن عند سؤاله عن الوضع، إنّنا سائرون بوتيرة chute libre acceleree.

بمعزل عن الأزمة وأسبابها ومسبّباتها، لم يتحلّ المسؤولون والقادة المسيحيّون، بدءاً بمختار ورئيس بلدية، مروراً بالنواب والوزراء والساسة ورؤساء الاحزاب والقيّمين على مدارس الرهبانيّات وجامعاتها والاكليروس والأبرشيات برؤية ثاقبة. غابت عن غالبيتهم صفات القيادة leadership.

أبرز مثال هو الدامور. هي ممثّلة دائماً بنائب في المجلس النيابي منذ ما بعد الطائف أي بعد العودة، ومتربِّعة على زعامتها عائلة تقليديّة منذ عشرات السنين لكنّها فشلت في تحقيق نقلة نوعيّة بالبلدة تعيد إليها رونقها ومكانتها عروسة الشوف، ولم تنجح بتغيير نمط ادارة البلدة، وأبقته على قدمه المحصور بالخدمات الضيّقة المرتبطة بصندوفة الاقتراع، بدل اعتماد خط تنموي وعمراني عصري وحديث.
كما أن الدامور مميّزة بثقل اغترابي وبمتموّلين وناجحين في ميادين شتّى، وبأبناء البلدة العائدين والمهجّرين بإرادتهم.
تبقى الذريعة هي هي عند السؤال عن الأسباب. يأتيك الجواب بإشارة بإصبع اليد صوب الجبل (من الدامور باتّجاه المختارة مباشرة) وبنظرة عتب ولوم تؤشّر إلى أنه “ما في اليد الحيلة”.

هل صحيح أن البيك يمنع الإنماء في الدامور؟ ويرفض عودة أبناءها؟ ويعترض على رفع نسبة الاستثمار؟ أم أن الجهة البلديّة الرسميّة المخوّلة لم ترفع اقتراحاً بهذا الشأن الى المديرية العامة للتنظيم المدني؟ وإذا قدّمت ولم يتحقّق الأمر، لماذا لا تصارح الناس وتشرح الأسباب؟

بعد أربع سنوات يحيي الدوامرة نصف قرن ذكرى التهجير. فهل يبقى الوضع على حاله بعد خمسين عاماً؟ أم ينتفض الداموريّون، ويحيون أمجاد أجدادهم الأبطال، وينطلقون من تاريخهم العريق ويبنون على نضالات وفكر رجالاتها وشهدائها والشهيدات القدّيسات، وتعود تمتلئ بيوت الدامور بأبنائها وبالخيرات والعز والمواسم، وتشكّل دافعاً وسنداً ومرجعاً لقرى الشوف وأبناء الشوف الذين يجدون الاطمئنان ويشعرون بالراحة ويستعيدون الثقة بمجرّد مرورهم بالدامور.

المصدر: mtv

شاهد أيضاً

هكذا يُفشل اللبنانيون محاولات “إسرائيل بالعربية” زرع الفتنة بينهم

سعت إسرائيل مؤخرا، عبر حملات منظمة، إلى إشعال نار الفتنة المذهبية في لبنان وخاصة بين …