كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
لا يعرف اللبنانيون في أي اتجاه يصبّون جام غضبهم أقله بينهم وبين أنفسهم: على الدولة؟ أو على وزارة الطاقة؟ على البلديات؟ أو على أصحاب المولدات؟ العتمة، على أنواعها، شديدة والهمّ كبير كبير. لا يعرف اللبنانيون، في إختصار، كيف يتلقون الضربات من كل حدب وصوب وتأتي فاتورة المولّد في آخر الشهر لتضرب موازنة الأسر رأساً على عقب. ومن جديد: من يلومون؟ من يشتمون؟ لمن يحمّلون المسؤولية؟ لعبدو سعادة؟ رئيس تجمع أصحاب المولدات، الحانق دائماً، بلع ريقه مرات وحكى كل ما يفترض برأيه أن يقال من الألف الى اللحظة الآنية.
لو طرحنا سؤالاً على الملأ: من هي شخصية العام؟ لأجاب كثيرون: عبدو سعادة. فهذا الرجل الذي أطلّ في كل مرة عبر الإعلام حانقاً متوتراً يُهاجِم ويُهاجَم أصبح في بلادنا أشهر من نار على علم. هو اتُهم مراراً بالعبث، مع أعضاء تجمعه، بآخر الأنوار في المجتمع، وكان يجيب بالصراخ والدفاع عن النفس والترداد، مثل الببغاء، “لسنا نحن الدولة. راجعوا الدولة. نحن أصحاب مولدات خاصة ليس إلا”. لكن، كما تعلمون، كل الإستثناء في بلدنا يُصبح قاعدة والقاعدة السائدة أن “يزمط” المتهم الأصيل كما الشعرة من العجينة.
سعادة يسأل ويجيب
إتصلنا به. سألناه بهدوء عن “المافيا” التي يتزعمها. سألناه عن تهديد أصحاب المولدات لنا، للناس “المعذبين” في البلد، بالتوقف عن مدّ الزبائن بالكهرباء البديلة وعن سبب ذاك “الكباش” المستديم بين تجمع أصحاب المولدات والدولة والزبائن.
عبدو سعادة، وكأنك الرجل الخارق في الدولة اللبنانية. هذا ما يتردد. فهل أنت حقاً فائق القوّة؟ سألناه ذلك فانطلق كما من ينتظر أن “يكبس” أحدهم على الزر ليبدأ ولا يعود ينتهي: “هل أنا من رفعت الدعم عن المازوت؟ هل انا من سرق المال العام؟ هل انا من قطعت كهرباء الدولة؟ هل انا من صرفت 43 ملياراً على كهرباء لم يرَ الناس منها شيئاً؟ هل وهل وهل… نقاطعة بسؤال: لكن أنتم “مافيا”. هذا ما يُطلق عليكم من القاصي ومن الداني. فهل هناك من تقَصَد إلصاق هذه التهمة بكم لينجو هو؟ يجيب: “سرقت الدولة كل اموال المودعين وصرفت وزارة الطاقة المال العام على “ولا ولا شيء” ولم تعط الكهرباء وحين لعبنا نحن هذا الدور قيل عنا مافيا. فليعطوا الناس الكهرباء و”صحتين على قلبن”. رفعنا اسعارنا؟ هم من رفعوا الدعم عن المازوت فماذا نفعل؟ إذا كنا نحن مافيا لأننا نضطر الى رفع الفواتير فكل “دكنجي” مافيا. نحن نضطر الى ذلك مرغمين. فهل نحن من نسعّر؟ هل انا من يرفع سعر تنكة البنزين مرتين في الاسبوع؟ هل انا من رفعت سعر الدواء والطحين والمازوت؟”.
نسمعه بهدوء، بصوتِ العقل، فنجد أنه يملك بعض الحقّ. فهو، في الحقيقة، أشبه بتاجر، يعمل ليربح، يتدخل حين تتخاذل الدولة ليعطي ويأخذ. هو مافيا؟ هو يعترف بذلك قائلاً “ليست أصابع اليد مثل بعضها… فهناك في كل قطاع زعران وأوادم”. لكن، أين الدولة من كل ذلك؟ هل مسؤولية الدولة “الفالصو” تقتصر على التسعير فقط و”الوجاهة”؟
تفاجأ كثيرون من أسعار فواتير المولدات هذا الشهر، وسيتفاجؤون قريباً بعد وبعد أكثر. فنحن ذاهبون الى “الأعظم”. وبيوت كثيرة أصبح أطفالها يدرسون على شمعة كلما ذابت ذاب قلب الأب معها. فأسعار الشمع حلّقت أيضاً. صاحب أحد المولدات في المتن الشمالي “آدمي”، ابن الحيّ، لكنه مثل الغراب، كلما ارسل “رسالة صوتية”، الى الزبائن- الجيران وضع هؤلاء أكفهم على قلوبهم. بالأمس، قبل جباية فواتيره، أرسل النعي الآتي: “يعطيكم الف عافية… انشالله سنة خير. سعّرت الدولة هذا الشهر كلفة الكيلواط على أساس 25 ألفاً يعني 7104 ليرات أو 7814. نحن نتكبد كلفة الكيلواط 33 سنت بينما الدولة سعرته 25 سنت يعني نحن نخسر 8 سنتات في الكيلواط الواحد و… و…” هو تهديد مبطن. هو تهديد الآمر الناهي في زمن لا طاقة فيها لدولة على الإستمرار، بعدما سرق من فيها كل “طاقة” الشعب على الصمود. لذلك كله، دفع كثير من الزبائن التسعيرة بحسب ما قرر وأراد مالك الموتور لا الدولة خصوصاً بعدما استفاق الناس أول من أمس على إعلان مؤسسة كهرباء لبنان توقف كامل منشآتها عن الخدمة بعد إقتحام “متظاهرين غاضبين” محطة التحويل الرئيسية في بلدة عرمون.
أمام هذا المشهد، هل يفترض بنا أن نلوم أصحاب المولدات على عبثهم؟ هم “تجار” يقدمون خدمة وينتظرون أرباحاً فهل نلومهم هم على تخاذل الدولة؟ هم “مافيا” ربما، لكن أين “الدولة” التي يفترض أن تكون راعية؟
لا تسعير بالدولار
هناك، بحسب عبدو سعادة، 3500 موتور خاص في كل لبنان، وهناك في المقابل “قدّن” مملوكة من فنادق وسوبرماركات وشركات ومبان. وينتمي نحو 85 في المئة من أصحاب المولدات التي توزع إشتراكاتها الى التجمع وهؤلاء لا ولن يُسعروا بالدولار. وكل ما يُشاع عكس ذلك غير صحيح ويضيف سعادة “نحن قلنا ونكرر أننا مثل سائر القطاعات علينا التسعير بحسب سعر الصرف لا تقاضي التسعيرة بالدولار. نحن من تقدمنا بطعن امام مجلس الشورى بعدما جرى تسعير المازوت بالدولار وطالبنا بالتسعير بالعملة الوطنية فكيف يتهموننا بما فعلته الدولة؟”.
ماذا عن العلاقة بين أصحاب المولدات والدولة؟ يجيب سعادة “نحن نعطي الكهرباء 22 ساعة وتجمّعنا حتى اليوم غير شرعي. والأسوأ أن وزارة الطاقة تُسعّر من دون الجلوس معنا. قطاعنا، إعترفوا أم لا، من أنجح القطاعات ويتعاطون معنا كعدو. تحاول الدولة أن تتعاطى معنا “شعبوياً” من خلال وضعنا في مواجهة الناس والتظاهر على أنها تدافع عن حقوقهم. هي تريد حقوقهم فلتعطهم الكهرباء. لو أرادت بالفعل ذلك لما كانت هدرت 43 ملياراً” ويستطرد “كلهم يستقوون علينا و”يسحسحون” على رقابنا كي يكسبوا الشعبية. انا من حذرت منذ البداية من ارتفاع فاتورة المولد إذا رُفع الدعم وها هم يلومونني اليوم”.
نصرخ ونتهم ونحذر لكن ماذا عن الحلول؟ الناس يريدون حلولاً؟ يجيب سعادة “يبدأ الحلّ بتثبيت سعر المازوت، بدعمه على تسعيرة معينة. هذا من ميل ومن ميل آخر نسأل: أين الفيول العراقي. هللوا له فأين هو؟ كذبوا علينا وقالوا أنه سيمكنهم من إعطاء بين 14 و16 ساعة. فماذا تحقق من كل ما قالوه؟ نحن من أضاء على الأعياد 22 ساعة. وحين قلنا أننا فعلنا ما لم تفعله الدولة ردوا: إنكم “تربحوننا” الجميل. لا، لا “نربّح” أحدا الجميل لكننا نصرّ على تذكير الدولة دائماً أننا لسنا دولة ولسنا مسؤولين عن الناس في الدولة. ويستطرد: “الدولة مؤلفة من جماعة غير مسؤولة. أتوا بمليون طن فيول من العراق وأثناء التكرير خسروا 300 ألف طن. وبالكاد أعطوا أربع ساعات. ألم يكن أجدى بهم توزيع المازوت على أصحاب المولدات وتثبيت السعر وخفض الفواتير بدل رمي المسؤوليات عشوائياً. هذا هو الغباء”.
اصحاب المولدات في لبنان يعلنون للمرة المليون “لسنا نحن مسؤولين عن الكهرباء. نحن وجدنا لتغطية بضع ساعات وها نحن نعطي أكثر من عشرين ساعة. والأنكى إذا خسرنا وقررنا إيقاف مولداتنا يتهموننا بالعتمة. كل يوم هناك مولد يتوقف عن العمل. بدأ قطاعنا يهتز أيضاً. وإذا لم يجدوا حلولاً واقعية نحن ذاهبون الى الإقفال”.
الحدّ من الخسائر
يُحذر رئيس تجمع أصحاب المولدات في لبنان. وهو سبق وحذر من يوم ويومين ومن شهر وشهرين ومن سنة وسنتين… فلماذا علينا أن نأخذ كلامه اليوم على محمل الجد؟ يجيب: “ما يحصل أننا كلما صرخنا رموا لنا بفتاتٍ من مطالبنا. إنهم يستخدمون الحلول الجزئية لا الحلول الجذرية. والحلّ الجزئي ما عاد ممكناً. نحن، يوم نفذنا تهديدنا وأطفأنا كل لبنان، أخذونا الى المراكز الأمنية وبهدلونا. إستخدموا معنا الطريقة البوليسية لكن “زمن الأول تحول” وما عاد ممكناً الصمود. يضيف سعادة: قلت لمستشار وزير الطاقة: خذوا موتوراتنا وضووا أنتم. أجابني: كبّر عقلك. نحن لم نعد نبحث عن أرباح بل عن إسترداد الخسائر”.
لا، ليس أصحاب الموتورات “ضحايا” وكلنا يعرف ذلك. فهم ربحوا الكثير في عقود ثلاثة ماضية. لكن، لأنهم “تجار” يبيعون ويشترون وهمهم الأول الربح، لا يفترض أن نحملهم وزر الأزمة. ولنسأل مجدداً: وين الدولة “الفالصو”؟ وين وزارة الطاقة التي أهدرت 43 ملياراً؟
في جرد عاليه، تجمع لأصحاب المولدات أيضاً، يضم 25 مولّداً. عن مشاكلهم يقول بسام حمزة: “نحن أصحاب مولّدات خاصة دفعنا ثمن مصالحنا من عرق جبيننا وتعبنا لنسد عجز دولة مفلسة. نحن من وقفنا الى جانب أهلنا في ظل أزمة كورونا. نحن اولاد ضيع أهلها أهلنا. نحن لم نعمل على رفع الدعم الكلي عن المحروقات بل الدولة هي من فعلت ذلك، لذا لن نرضى ان نشتم ونهان. نحن من هذا المجتمع نتحلى بدرجات من المسؤولية العالية تجاه أهلنا وناسنا لكن لن يُجبرنا أحد على العمل بخسارة مهما كان الثمن”.
معهم حقّ. ليس هؤلاء الدولة، بل يجب أن يخضعوا لواجباتٍ تفرضها دولة تُميز بين الحقوق والواجبات، تعطي الأولى فتحصل على الثانية. لكن، نحن في بلاد كل ما فيها يسير بالمقلوب. دولة تتخاذل وشعب أصبح تحت سابع أرض. فهل علينا أن نترقب بعد الأسوأ؟