كتبت زينب حمود في الأخبار :
خفّت قبضة الطب الحديث على الطب البديل أو ما يسمى بطب الأعشاب. الأزمة الاقتصادية وغلاء الأدوية أعادا الحياة إلى محلات العطارة والأعشاب الطبية، وأجبرتا حتى الأطباء على وصف أدوية متوافرة لدى العطارين وليس في الصيدليات!
يُضرب الطب الحديث من «بيت أبيه»، مع لجوء أطباء إلى وصف أعشاب لمرضاهم العاجزين عن صرف «روشتات» طبية تتجاوز قيمتها رواتبهم. ريم، مثلاً، سألت الطبيب عن اسم عشبة تفيد في التخلص من السعال والحساسية على الرئتين، «بدل الدواء الذي وصفه لي ويتجاوز ثمنه الـ700 ألف ليرة». وبعد أن فكّر مطولاً، «وصف لي الكركم»!
قبل فترة، عانت زهراء آلاماً في الأذن. لجأت إلى طبيب وصف لها دواء غير متوافر في الأسواق، فاضطرّت لشراء بديل عنه تسبب بالتهاب في الكبد والدم. اليوم، «أعاني مضاعفات جسيمة وآلاماً في المعدة وإعياء متواصلاً بسبب دواء كيميائي، فيما لو لجأت إلى الأعشاب لما حدث كل ذلك». لذلك، قررت أن تستبدل معظم أدويتها بأعشاب لأنها «أضمن صحياً ولا تحدث أضراراً جانبية، وإذا ما نفعت لا تضرّ، إضافة إلى أنها أرخص بما لا يقاس ومتوافرة في الأسواق».
بالتزامن مع تدهور القطاع الصحي، يرتفع الطلب على الأعشاب «الطبية». يقدّر العطار في بلدة الصرفند محمود خليفة نسبة الزيادة بـ 50%، عازياً ذلك إلى «عدم قدرة اللبنانيين على شراء الأدوية بعد أن فُقدت من الأسواق وشهدت أسعارها ارتفاعاً جنونياً». صحيح أن أسعار الأعشاب ارتفعت هي أيضاً، لكنها «تبقى أوفر بكثير. بثمن دواء واحد يمكن شراء خمسة أنواع من الأعشاب على الأقل. فكلفة العشبة تبدأ بعشرة آلاف ليرة، وتصل إلى 200 ألف حدّاً أقصى».
زيادة كبيرة في الإقبال على محلات العطارة بعد فقدان الأدوية وغلاء أسعارها
يضيف صاحب محل «دبوس» في منطقة كركول الدروز رامي ناجي سبباً آخر لارتفاع الطلب على الأعشاب «بنسبة لا تقل عن 40%»، وهو «تراجع ثقة اللبنانيين يوماً بعد يوم بفعالية الأدوية الكيميائية وخوفهم من ضررها المحتمل من جهة، وقدرة الطب البديل لا سيما الأعشاب على علاج ما يعجز عن علاجه الطب الحديث من جهة ثانية». فمن خلال تجربتها مع طب الأعشاب، تعتقد سكينة، بقوة، بتفوقه على الطب العادي في كثير من الأحيان. لذلك، «عندما أصاب بالرشح أتوجه إلى العطار لا إلى الصيدلية لشراء خليط من اليانسون والكركم والزعتر وحبّة البركة، وبعدما لاحظت عدم فعالية أدوية الالتهابات استبدلتها بالخبّيزة الخضراء المغلية»، من دون أن تنفي «المخاطر التي تترتب عن سوء استخدام طب الأعشاب، خصوصاً لجهة الجرعات والكميات التي يتم تناولها».
يؤكد خليفة أن طب الأعشاب «يمكنه علاج كل الأمراض باستثناء تلك التي تستدعي جراحة». ورث الرجل الستيني الذي قضى أربعين عاماً في «الكار» المصلحة عن والدته التي كانت تقدم «استشارات طبية» لأهالي قريتها وتداويهم بالأعشاب. يحضّر تركيبات من عدة أعشاب مختلفة لكل حالة مرضية، ويصف للزبون التركيبة التي تناسب حالته. مثلاً، «هناك خلطة من قشور الرمان وعشبة العيزقان لآلام المعدة فيما علاج آلام الصدر يتم ببذور الحرمل التي تنمو في أماكن صحراوية».
من جهته، ناجي، العطّار أباً عن جد عن والده الذي بدأ المصلحة منذ عام 1926، لا يصف الأعشاب لزبائنه، بل يكتفي ببيعهم ما يطلبونه. إذ «إنني لست طبيباً لأشخّص حالة المريض». لكن، كيف يعرف الزبون أي عشبة تناسب حالته المرضية؟ يجيب: «نحن في عصر الإنترنت ويمكن للجميع التعرّف إلى فوائد كل عشبة ومعرفة الأعشاب الكفيلة بعلاجهم». ويضيف: «اللبنانيون توارثوا طب الأعشاب عن جدودهم، فمن منا لم يسمع عن فوائد اليانسون والملّيسة في تهدئة الأعصاب والمساعدة على النوم».