جاء في “المركزيّة”:
في حروب المنظومة الفاسدة بين مكوناتها التي لم تعد تلتقي الا للدوس على جثة الوطن، ضحية واحدة . ضحية تدفع يوميا ثمن اقترافات وقحة واجرام لا حدود له وفجور لا يستوعبه عقل او منطق. ضحية فقدت الامل بالتعافي لكثرة ما نهشت جسدها اظافر السياسيين وحفرت سكاكين غدرهم وانانياتهم ومصالحهم الفئوية في اعماق قلبها حتى تكاد تلفظ انفاسها الاخيرة. ضحية باتت في حكم المستسلمة للمرض العضال الذي فتك فيها بعدما قاومته منذ عامين ونيّف من دون طائل، ولم يبق امامها الا بصيص نور سيظهر في الربيع انتخابياً، اذا لم تطفئه سلطة الظلام الحاقدة. هذه الضحية التي يمثلها كل مواطن لبناني مؤمن بجدوى استمرار وجوده في لبنان تموت كل يوم مئة ميتة، من دون ان يسمعها احد من المنظومة المتلهية بحرب الاتهامات المتبادلة التي تزيد الى فضائحها فضائح موثقة وادانات لا نهاية لها.
جديد حلقات مسلسل “الفظائع” بين تياري رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي عُرض على اللبنانيين في الساعات الثماني والاربعين الاخيرة، وقد اتقن الطرفان نسج السيناريو الخاص بكل حلقة وحبك مشاهده بإخراج من دواعي الظرف الانتخابي، الا ان جمهور المشاهدين، باستثناء من تبقى من مناصرين، لم تتسن له المتابعة اما لأنه كان محروما نعمة كهرباء الدولة او لأنه كان في فترة تقنين كهرباء المولدات البديلة التي تخطت فاتورتها المليون ليرة شهريا في الحد الادنى او لأنه كان يدور هائما بين ما تبقى من شركات او مصانع بحثا عن وظيفة اضافية تقيه الجوع القابع على باب منزله او توفر له مدخولا اضافيا يملأ به خزان سيارته بقطرات من البنزين او جرة الغاز ببعض الكيلوات او يوفر جزءا من ثمن دواء بات محصورا بفئة الـVIP من اللبنانيين…
في ظل هذا الجو القاتم، تسأل مصادر معارضة للمنظومة الحاكمة من يتبارون في اطلالات المنابر من رئيس الجمهورية ميشال عون الى النائبين جبران باسيل وعلي حسن خليل وصولا الى امين عام حزب الله حسن نصرالله ونائب كتلته حسن فضل الله، اين الوطن والمواطن من خطاباتهم ومواقفهم؟ اوليس هؤلاء مسؤولين عنهم او يفترض ان يكونوا كذلك؟ هل يدرك اي منهم ان ثمن صفيحة البنزين تخطى الـ350 الف ليرة وقارورة الغاز الـ320 الفا والدولار نطح الـ30 الف ليرة وان المعنيين بالقطاعات هذه كما غيرها يبشرون بارتفاع اضافي، ام ان معاركهم تحجب عنهم رؤية شعبهم ومعاناته اللامتناهية بفعل ممارساتهم اللامسؤولة؟
وبعد… هل يعي هؤلاء ان حروبهم العلنية عرّتهم امام الشعب بعدما عرّوا انفسهم بحكمهم الفاسد وانعدام مسؤوليتهم ازاء لبنان وشعبه، غير آبهين للمصير الذي رسموه له؟ هل يدرك رئيس البلاد ان تياره متهم بهدر اكثر من نصف الدين العام على كهرباء منعدمة الوجود واتصالات لم تعد تصل لبناني بآخر الا نادرا؟ وهل يدرك رئيس مجلس النواب انه وحركته مطمورون بتهم الفساد مع كثر من ضمن المنظومة؟ هل يدرك نصرالله المفترض انه زعيم حزب لبناني، ولو انه يقر بغير ذلك جهارا، ونائب كتلته، ان مقاومتهم المفترضة ايضا دفاعا عن لبنان وشعبه الذي لا يؤيدها اكثر من نصفه، وقد انتفت كل مبررات وجودها واستمرارها، ان انخراطها في حروب الخارج واستخدامها ايرانيا لمقاتلة العرب والخليجيين تسببت بترك لبنان يغرق الى القعر بعدما تركه اشقاؤه بسبب مواقف امينها العام الهجومية وتدريب مقاتلين في اليمن والعراق والبحرين لاستهدافهم؟
وتختم المصادر، في كل هذا اين لبنان واين اللبناني؟ اين هما في حسابات هؤلاء وفي تصفية حساباتهم؟ الم يصلوا الى مواقع المسؤولية الوطنية لخدمة المواطن وتحسين ظروف معيشته؟ اين هم من رغيف خبزه المفقود وصقيع اجساد ابنائه من برد يعجز عن ازالته بقارورة غاز تدفئهم باتت خارج قدرته الشرائية وكهرباء مفقودة، اين هم من كل ذلك واين هم اولا وآخرا من لعنات شعب ستلاحقهم حتى الرمق الاخير وتقذفهم الى نار جهنم حقيقية يستحقونها بجدارة، هناك، “حيث البكاء وصرير الاسنان…”.