في الآونة الأخيرة، شهدت بعض المناطق اللبنانية تكرارًا لحوادث القبض على الأشخاص المتلبسين بجرائم سرقة، تتبعها اعتداءات جسدية وحشية يقوم بها مواطنون قبل تسليم المشتبه بهم للقوى الأمنية. هذه الظاهرة، التي غالبًا ما تترافق مع تصوير الفيديوهات ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، تثير العديد من التساؤلات حول تطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان في مجتمعنا.
العنف الذاتي: انتهاك للقانون وحقوق الإنسان
وفقًا للقوانين اللبنانية والدولية، يعتبر استخدام العنف الجسدي ضد أي شخص، حتى لو كان متلبسًا بارتكاب جريمة، انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. القوانين واضحة في هذا الشأن: من مسؤولية القوى الأمنية والقضاء تطبيق القانون وتنفيذ العقوبات، وليس من حق المواطنين أن يأخذوا القانون بأيديهم. الاعتداءات الجسدية التي تنتهي بنشر الفيديوهات ليست فقط جريمة في حد ذاتها، بل هي انتهاك لكرامة الإنسان وخصوصيته.
الأبعاد القانونية والأخلاقية
أولًا، الاعتداء الجسدي يمكن أن يؤدي إلى ملاحقات قانونية ضد المعتدين، حيث يمكن أن يتم توجيه تهم بالاعتداء الجسدي، والتشهير، وانتهاك الخصوصية. ثانيا، نشر الفيديوهات التي تظهر العنف يزيد من تأجيج مشاعر الغضب والكراهية في المجتمع، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع الاجتماعي والأمني.
مشهد من طرابلس: العنف يصل إلى مستويات مروعة
نشر بالأمس فيديو من مدينة طرابلس يصور مشهدًا لا يمكن أن يتصوره عقل إنسان. في هذا الفيديو، يظهر مجموعة من الشباب وهم يعتدون بوحشية على اشخاص يُزعم أنهم كانوا يحاولون السرقة. المشهد المثير للاشمئزاز لم يتوقف عند حدود العنف الجسدي، بل تعدى ذلك إلى تشجيع البعض لهذه الأعمال، في تعليقات تحمل الكثير من الكراهية والتأييد لهذا التصرف الذي يمكن تصنيفه كعمل إرهابي.
هذا المشهد يعكس خطرًا حقيقيًا يهدد نسيج المجتمع وأمنه، حيث يصبح العنف مقبولًا ومشجعًا من قبل بعض الفئات. يجب أن يكون هذا الحادث جرس إنذار لجميع الأطراف المعنية، سواء كانت السلطات الأمنية أو المجتمع المدني، لضرورة التحرك الفوري لوقف مثل هذه الأعمال ومعاقبة مرتكبيها.
دور القوى الأمنية والقضاء
على القوى الأمنية أن تتحمل مسؤولياتها الكاملة في حماية حقوق جميع الأفراد، بما في ذلك المشتبه بهم. يجب أن يتم التحقيق بشكل شامل في جميع حوادث الاعتداء، وتقديم الجناة للعدالة بغض النظر عن خلفياتهم أو دوافعهم. إن تنفيذ العدالة بشكل محايد وشفاف هو الضمان الوحيد للحفاظ على ثقة المواطنين في النظام القضائي والأمني.
مسؤولية المجتمع المدني والإعلام
يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام دور كبير في التوعية بأهمية احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون بشكل عادل. يجب أن تكون هناك حملات مستمرة لتوعية المواطنين بمخاطر أخذ القانون بأيديهم، وتشجيعهم على اللجوء إلى السلطات المختصة في حالة الشكوى أو الشبهة.
في نهاية المطاف، لا يمكن تحقيق العدالة إلا من خلال نظام قضائي عادل وشفاف، يحترم حقوق الإنسان ويطبق القانون دون تمييز. علينا كمجتمع أن ندرك أن العنف لا يولد سوى المزيد من العنف، وأن احترام كرامة الإنسان هو السبيل الوحيد لبناء مجتمع مستقر وآمن. ندعو جميع المواطنين إلى التحلي بضبط النفس والثقة في المؤسسات القانونية، وندعو السلطات إلى تعزيز آليات المحاسبة لضمان عدم تكرار هذه الحوادث.
نحن بحاجة إلى تعزيز الثقة في النظام القضائي والأمني من خلال تطبيق القوانين بشكل عادل وشفاف، وضمان محاسبة المعتدين. فقط من خلال احترام حقوق الإنسان يمكننا بناء مجتمع آمن ومستقر.
خاص مكاريو٢١ مارسيل راشد