إحالة “نادي القضاة” على التفتيش القضائي: السلطة تنتقم

يُختصر واقع القضاء اللبناني بعبارة واحدة فقط، أزمة تلد أخرى. فما أن تمكن القضاء اللبناني من إعادة القضاة إلى عملهم بعد انتهاء العطلة القضائية، وتجاوز خطوة “الاعتكاف القضائي”، حتى وضعت أزمة جديدة على واجهة النقاشات لما تحمله من تداعيات خطيرة. وذلك بعد قرار وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، القاضي هنري الخوري، الأخير، الذي قضى بإحالة جميع أعضاء “نادي القضاة” على التفتيش القضائي.

“ملاحقة جماعية”
وفي التفاصيل التي حصلت عليها “المدن”، فإن قرار الخوري لم ينحصر بملاحقة مجموعة من أعضاء “نادي القضاة” بل طالت الملاحقة حوالى 112 قاضيًا من دون استثناء، وذلك على خلفية البيانات والمواقف والآراء التي يصدرها نادي القضاة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يعترض فيها على بعض القرارات القضائية، وعلى مسار الجسم القضائي خلال السنوات الأخيرة وطريقة تناوله للقضايا، وعلى التجاوزات الحاصلة داخل الجسم القضائي.

ووفقًا لمصدر قضائي بارز في حديثه لـ”المدن”، فإن جميع أعضاء الهيئة الإدارية لنادي القضاة وهم عبارة عن 8 قضاة، مثلوا أمام التفتيش القضائي في جلسة تحقيق دامت حوالى الساعتين، وذلك بعد إعلامهم بأن أسباب إحالتهم على التفتيش القضائي ناتجة عن بياناتهم ومواقفهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ووفقًا لمعلومات “المدن”، فإنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها وزير العدل الخوري ملاحقة أعضاء “نادي القضاة” لمعاقبتهم على مواقفهم. إذ أكد مصدر قضائي بارز في حديث لـ”المدن” بأن الوزير الخوري أحال سابقًا رئيس نادي القضاة، القاضي فيصل مكي أكثر من 3 مرات على التفتيش القضائي. لكن، المفارقة اليوم، بأنها المرة الأولى، التي يقرر فيها ملاحقة جميع أعضاء نادي القضاة.

قرار الخوري كان مفاجئاً لبعض القضاة. فحتمًا لم يكن متوقعًا أن تتم ملاحقة 112 قاضيًا في الوقت نفسه، ووفقًا لمعلومات “المدن” فإن إحالة القضاة على التفتيش القضائي لم تتعلق بالبيانات الصادرة عن النادي مؤخرًا، بل إنها طالت جميع بيانات ومواقف نادي القضاة الصادرة منذ عام 2021 حتى عام 2023.

هذا وأشارت مصادر قضائية بارزة لـ”المدن” إلى أن قضاة النادي قرروا الإلتزام بالصمت والحفاظ على سرية التحقيقات بانتظار قرار التفتيش القضائي، في حين اعتبرت المصادر بأن هذا القرار بمثابة معركة سياسية، إذ تهدف لإسكات القضاة ومنعهم من الاعتراض على التجاوزات الحاصلة داخل الجسم القضائي. وهو الأمر الذي لن يحصل. واعتبرت المصادر القضائية بإن نادي القضاة لم يقم بأي مخالفة حتى تتم ملاحقته، إنما مطالبه الأساسية هي استقلالية القضاء والحفاظ على الجسم القضائي من التجاوزات، ومن تدخل السلطة السياسية بالسلطة القضائية.

منع الظهور الإعلامي
بالعودة إلى السادس والعشرين من نيسان الماضي، منع الوزير الخوري القضاة من الظهور الإعلامي من دون إذنه. وجاء في مضمون تعميمه آنذاك: “يعمم على السادة القضاة بوجوب التقيد بالأحكام القانونية، والإمتناع عن الظهور الإعلامي بجميع أشكاله، وعن اتخاذ أي موقف علني على أي منصة إعلامية أو إلكترونية أو غيرها من دون الحصول على إذن مسبق من المرجع المختص..”.

وقد جاء رد نادي القضاة على هذا التعميم بتذكيره ببيان مجلس القضاء الأعلى في تاريخ 20 آذار 2018 الذي أكد على ثوابت لا يمكن الحيد عنها وأهمها: “أنه لا يجوز لوزير العدل توجيه تعاميم للقضاة، كما أن المجلس لا يعد أداة تنفيذية لهذه الغاية، عملًا بمبدأ استقلالية السلطة القضائية..”، وأن نص المادة 44 من قانون القضاء العدلي يلحظ بوضوح أن القضاة مستقلون ولا يمكن نقلهم أو فصلهم عن السلك القضائي إلا وفقًا لأحكام القانون، فلا رئيس مباشر أو غير مباشر للقاضي كي يخضع له أو كي ينفذ تعليماته أو أوامره…”.

ثورة قضائية”
يذكر بأن الهدف الأساسي لتأسيس نادي القضاة منذ حوالى عام 2019، كان للدفاع عن مصالح المواطنين ومواجهة المنظومة السياسية والفساد، إذ سعى خلال السنوات الماضية إلى تحسين الجسم القضائي وإصلاحه ومنعه من الانهيار، حيث اعتبر بمثابة ثورة قضائية جديدة لتحقيق استقلالية القضاء ومنع السلطة السياسية من التدخل بالسلطة القضائية. لذلك، عمد نادي القضاة خلال هذه الفترة إلى إصدار بيانات ينادي فيها بأهمية الحفاظ على استقلالية القضاء اللبناني، وكانت أبرز مواقفه هي اعتراضه على العراقيل التي قيدت ملف تفجير المرفأ، كما أنه اعترض في بيانه الأخير الصادر يوم الجمعة 29 أيلول الماضي على قرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله فيما يتعلق ببعض التعيينات القضائية، واعتبر بأنه يشكل تجاوزًا لا يمكن السكوت عنه، مطالبًا بتوزيع القضاة وفقًا لمعايير موضوعية، ومنع تدخل أي مرجعية سياسية أو طائفية”.

شاهد أيضاً

عصابة سلب ونشل وسرقة تنشط في العاصمة..أوقفتها مفرزة استقصاء بيروت..

صدر عن المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي – شعبة العلاقات العامّة البلاغ التّالي: في إطار …