كتب د. فادي كرم في “نداء الوطن”:
يرى النظام الثوري في ايران أنّ للورقة اللبنانية فوائد كثيرة تخدم موقعه التفاوضي والمُساوماتي في الاقليم، حيث تتداخل حساباته المالية والعسكرية والنفوذية والنووية بعضها ببعض لتصبّ جميعها في المسار التوسّعي لايديولوجيته، ويستغلّ التأثير التكويني الذي تمارسه بعض الفئات التابعة له فكرياً، والحاملة في الوقت ذاته لجنسيات الأوطان المُجاورة له، فاتحةً ساحات بلدانها لتكون مُشرّعة لنشر مشروعه الايديولوجي العابر للحدود.
ولأنّه نظام توسّعي، يفتقد حكْماً لصفات الدول المتحضّرة التي غالباً ما تُحسن التعاطي مع شعوب الثقافات الاخرى. فحقوق المواطنين عنده لا قيمة لها، والفوارق الثقافية والاجتماعية المنتشرة على مسافة الاوطان الممتدّة من الخليج وحتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، يعتبرها تهديداً لمشروعه الإلغائي للحدود بين الدول والثقافات والمجتمعات، وعائقاً امام سيطرته عليها.
وكما نجح في العقد الماضي، قائد محور «التعدّي» على السيادة اللبنانية، أي رئيس النظام السوري حينها حافظ الأسد بعرقلة المبادرات الصديقة التي كانت تأتي لإنقاذ لبنان من دورات الاقتتال الداخلي المتعدّدة الاسباب والاشكال والاطراف، فارضاً على الجميع سلوك قناة واحدة تمرّ في «دمشق»، يعمل النظام الايراني حالياً على عرقلة وضرب محاولات اللجنة الخُماسية لحلّ الازمة اللبنانية الرئاسية، المُعطّلة أصلاً بقيام الفريق الايراني في لبنان بتجاوز الدستور والعملية الديمقراطية، فإن لم تأتِ المبادرات الدولية لتُسهّل رؤية هذا النظام للحلول وتؤمّن مصالحه التوسّعية على حساب المصلحة اللبنانية، فلن يسمح بفكّ أسر، لا الرئاسة اللبنانية ولا القرار اللبناني، ولذلك يُشدّد قياديّوه في مطالعاتهم اليومية على التمييز بين فئة الرؤساء السابقين الذين كرّسوا ولايتهم بخدمة مشروعه، فحموا ظهره وغطّوا تعدّياته على السيادة اللبنانية وعلى كرامة بلاد الارز، وبين الرؤساء الذين أخلصوا لوطنهم ولقسمهم ولمصالح الدولة العليا، فاتّهمهم بالطعن بسلاحه وبمشروعه.
يهدف النظام الايراني المباشر من استهداف أعمال اللجنة الخُماسية، بالتعطيل الصريح لمحاولاتها، والمواجهة الخفّية لطروحاتها، إلى فرض أمر واقع جديد يقضي بضمّه لاعمالها، لتتحوّل إلى سُداسية، ولو عن بعد، اي بالتأثير من الخارج، وكأنها خُماسية «مُطعّمة». ولكن «شتّان ما بين الثرى والثُريّا» فأهداف الطرف الايراني «الثرى» الثابتة، إبقاء لبنان رهينةً له، وسلعةً للمتاجرة بآلام شعبه مع دول الخُماسية بالذات، وغنيمةً لمصادرة ارزاقها ومقوماتها نجدة لساحته السورية، ومنصةً مجاورة لاسرائيل لاستخدامها في البازار الاقليمي، فالورقة اللبنانية ثمينة جداً في مسار استمرار نفوذه. فهذا الثرى لن يتردّد عن إنزال لبنان إلى أسفل درك دول الكرة الارضية.
امّا الثريّا الخُماسية بكامل اطرافها ودولها المتنوّعة الحسابات والمبادرات، وإن اخطأت احياناً ببعض مقارباتها، فأهدافها تبقى، اطلاق عجلة الدولة اللبنانية ومساعدتها ودعمها ومنعها من التحلّل والسقوط، واعادتها إلى الساحة الدولية الاستثمارية والحضارية والحرّة.
ما بين النظام الايراني، الثرى، ودول اللجنة الخُماسية، الثُريّا، فوارق عظيمة، فالنيّات الايرانية بقاء الجرح اللبناني نازفاً، أمّا نيّات دول اللجنة الخماسية، فخروج لبنان مُعافى. وعلاقة النظام الايراني مع اللبنانيين علاقة دموية وأمنية، وتهديداتٍ ايديولوجية، وعلاقة، مواطنين لبنانيين متواجدين على اراضي ايران بهدف التدرّب على فنون القمع والغدر والاغتيال، ومواطنين ايرانيين متواجدين على الاراضي اللبنانية كوفودٍ عسكرية واستكشافية وتوجيهية لبناء المراكز الاستراتيجية والاستيلاء على المطارات المحلية والموانئ والمرافئ والحدود واستخدامها لنقل الاسلحة والموانع.
أمّا علاقة دول الخُماسية مع اللبنانيّ فتبادل اجتماعي وعلمي وخبراتي وتقني ومساهمات مالية واستثمارية، واختصاصات وكفاءات وجامعات، ودعم للدولة والمؤسسات. النظام الايراني يهدف لجرّ الخُماسية للمرور في مجاله السياسي، فارضاً نفسه طرفاً سادساً إلزامياً، وإلا إبقاؤها عرجاء. ومحاولات الفريق الايراني دفع اللجنة الخُماسية لتبنّي طروحاته الرئاسية، وتبعاً لذلك ترك لبنان تحت سلطته حيث يقوم بتبادل الحصص والمكاسب مع الاطراف السياسية الداخلية القابلة للتسويات الظرفية.
تقف المعارضة سدّاً منيعاً أمام ألاعيب الفريق المُمانع لنهضة لبنان ولتحرّره من التخلّف، وترفع المعارضة الراية الحمراء بوجه المعادلات المُدمّرة للحياة اللبنانية الحرّة، وتُعرقل المعارضة مساعي السُداسية لابقاء لبنان تحت حكمها، وترفع صوتها عالياً بوجه محاولات تغيير هوية لبنان، إن أتت من أحادية أو من سداسية.