سنة على الأزمة الرئاسية: أي علاقة للموارنة بتعطيل الاستحقاق في زمن الممانعة؟

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

قبل يومين مرّت سنة على أول جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 29 ايلول/سبتمبر من دون أن تنجح الكتل النيابية الموزعة على أكثر من اتجاه سياسي في انتخاب رئيس، وكانت آخر جلسة في 14 حزيران/يونيو وأفضت إلى ما أفضت إليه من توزع للأصوات بين الوزير السابق جهاد أزعور كمرشح للمعارضة بالتقاطع مع التيار الوطني الحر ونواب التغيير ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية كمرشح للثنائي الشيعي وحلفائه الذين طيّروا نصاب الدورة الثانية.

ومنذ ذاك التاريخ لم يبادر الرئيس بري للدعوة إلى أي جلسة جديدة في ظل تبادل الاتهامات بين مَن يعطل الاستحقاق الرئاسي، هل من يرفضون تلبية الدعوة إلى الحوار قبل الانتخاب أم مَن يخرجون من قاعة الجلسات ويمارسون الابتزاز السياسي ويرفضون الالتزام بالآليات الديمقراطية والدستورية للانتخاب؟
غير أن الجديد الرئاسي هو خلط الأوراق بعد سنة على أول جلسة انتخاب وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على آخر جلسة، إذ تراجعت فرنسا عن خيار المقايضة بين فرنجية رئيساً للجمهورية والسفير نواف سلام رئيساً للحكومة وهو طرح كان يؤيده الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل بقوة وتعارضه الكتل المسيحية والحزب التقدمي الاشتراكي والنواب التغييريون، والذهاب إلى فكرة الخيار الثالث انسجاماً مع ما تطرحه اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر ومصر. وإذا كانت المعارضة مرتاحة لفكرة الخيار الثالث لأنه يعني التخلي عن فرنجية، إلا أن الثنائي الشيعي ما زال يتمسك بمرشحه وفق ما أبلغه إلى الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني.

مكاسب في الحكومة

يؤشر تمسك الثنائي الشيعي بترشيح فرنجية رغم اقتناعه بصعوبة وصوله إلى قصر بعبدا إلى انتظار هذا الثنائي ومن خلفه إيران الزمان المناسب لإنجاز التسوية وقبض الثمن الذي سيُعبّر عنه بمكاسب في الحكومة والنظام وضمانات بعدم طعن ظهر «المقاومة» وقد سبق للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أن حذّر من خطف رئاسة الجمهورية وأخذها رهينة ويطلب فدية لاطلاقها. من هنا يحاول حزب الله تحسين شروطه قبل التخلي عن فرنجية والدخول في الصفقة سواء مع واشنطن أو مع الرياض. وكان الموفد القطري واضحاً في خلال لقاءاته مع الثنائي الشيعي بأنه لا يمكن الاستمرار في الاستعصاء الرئاسي القائم على معادلة فرنجية أو استمرار الشغور، سائلاً اذا كان هناك من خطة «ب» فجاءه الجواب من الرئيس بري «لا خطة ب» وأتاه الجواب من حزب الله «فرنجية أولاً وثانياً وثالثاً».
ويتمثل الخيار الثالث بشخصية عسكرية كقائد الجيش العماد جوزف عون أو المدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري أو بشخصية سياسية اقتصادية كالنائب نعمة افرام، وربما تتجه الأمور إلى إسم من خارج هذا النادي. وفيما لوحظ أن لودريان عبّر عن انزعاج دول اللجنة الخماسية من أزمة الرئاسة، متسائلاً عن «جدوى استمرار تمويل لبنان» فإن الموفد القطري أبدى الاستعداد للمساعدة والاسهام في عملية النهوض الاقتصادي مقابل إبداء المرونة في التعاطي بالملف الرئاسي.
وفي انتظار جلاء الأمور مع الجولات الجديدة المرتقبة للموفدين الفرنسي والقطري، فإن سجالاً عاد ليبرز على خلفية اتهام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بإجهاض فرصة الحوار والانتخابات الرئاسية وعلى خلفية اعتبار الرئيس بري أن أزمة الرئاسة مرتبطة بخلافات الموارنة. وهنا ترد أوساط قريبة من بكركي لكنها تميّز في ردها بين جنبلاط وبري، فتعتبر «أن انتقادات وليد بيك ربما لها دوافعها لجهة تحقيق توازن في مواقفه بين صديقه القديم الرئيس نبيه بري وبين الأحزاب المسيحية» وتقول «مهما بلغت انتقادات المختارة فهي محصورة في الخلاف حول مبدأ الحوار ولا تخرج عن المرتكزات السيادية ولا تخدش مصالحة الجبل التاريخية، لا بل هناك محطات كثيرة جمعت بين الحزب التقدمي الاشتراكي والأحزاب المسيحية كالقوات والكتائب ومنها التصويت معاً للمرشح ميشال معوض ثم التقاطع مع التيار الوطني الحر والتصويت معاً للمرشح جهاد أزعور، فيما ما كانت نتيجة الحوار بين وليد بيك ووفد حزب الله في كليمنصو؟ ألم يطرح على الحزب سلّة من ثلاثة أسماء للتوافق على أحدها فما كانت النتيجة؟!».

أسئلة

أما بالنسبة للرئيس بري، فتوجّه الأوساط القريبة من بكركي أسئلة عديدة وتقول «بغض النظر عن أن الخلاف في البلد هو بين مشروعين وليس خلافاً بين الموارنة أنفسهم الذين يتميّزون بتعدديتهم، مَن الذي يقفل المجلس ولا يدعو إلى جلسات انتخاب مفتوحة حتى انتخاب الرئيس؟ ومَن هو الفريق الذي ينسحب من الجلسة قبل بدء الدورة الثانية أليسوا نواب «كتلة التنمية والتحرير» وحزب الله؟! وهل إذا أتفق الموارنة على مرشح يضمنون انتخابه من قبل المكونات اللبنانية الأخرى؟ ثم ألم يتفق الموارنة على عدم انتخاب فرنجية فلماذا يحاول الثنائي الشيعي فرضه عليهم؟ وعندما تقاطع الموارنة كقوات وتيار وكتائب وسواهم على انتخاب جهاد أزعور لماذا تمّ تطيير النصاب في الدورة الثانية؟!».

وتضيف الأوساط «في زمن ما كان يُسمى المارونية السياسية وعلى الرغم من الخلافات بين الزعماء الموارنة كانت الانتخابات الرئاسية تجري في مواعيدها ولم يكن يتعطل النصاب حتى في عز الحرب عام 1982 وبعد الاجتياح الإسرائيلي حرص الرئيس الأسبق لمجلس النواب كامل الأسعد على عقد جلسة انتخاب في الفياضية وتمّ انتخاب الرئيس بشير الجميّل، ولم تتعطل انتخابات الرئاسة يوماً إلا في زمن ما يُعرف حالياً بزمن الممانعة. وفي زمن المارونية السياسية كان لبنان سويسرا الشرق لكنه الآن أصبح ثاني أسوأ دولة للعيش فيها كما قال البطريرك الراعي، فأي علاقة للموارنة بتعطيل الاستحقاق الرئاسي في زمن الممانعة وتراجع نفوذهم على مستوى الدولة؟!».

شاهد أيضاً

لبنان يُثبّت شروطه: انسحاب كامل أو استمرار المواجهة

علمت صحيفة “الأخبار” أن النقاشات الليلية في السفارة الأميركية حول مسوّدة الاتفاق تناولت بنوداً عدة …