صليبا تنسحب… “روما من فوق غير روما من تحت”

كتب طوني عطية في “نداء الوطن”:

ترافق دخول لبنان مدار الفراغ الرئاسي قبل عام تقريباً، مع اعتصام ثنائي للنائبين نجاة صليبا وملحم خلف في محاولة لفك أسر الرئاسة الأولى، من قبضة الرئاسة الثانية. لا شيء يُمكن أن يكسر «عناد» الأطياف السياسية المُعرقلة. لا الدستور، لا قواعد اللعبة الديموقراطية ولا الحدّ الأدنى من احترام الصالح الوطنيّ العام. وحدها التسويات والصفقات وموازين القوى قادرة على تليين المواقف المتحجرة وتشكيل جسر عبور إلى القصر الرئاسي. منذ 243 يوماً نزل خلف وصليبا في «فندق» مجلس النوّاب المُصنّف «نجمة واحدة» كون «الخدمة الوطنية» معطّلة، والوسائل اللوجستية من كهرباء وتكييف غير متوفّرة دوماً.

رغم ذلك، تُعدّ خطوتهما هي الأولى من نوعها، إذ لم يشهد البرلمان اللبناني أيّ اعتصام مشابهٍ طويل الأمد. كما لاقت ترحيباً وتضامناً نيابيّاً وشعبيّاً وإعلاميّاً واسعاً، ليتراجع وهجها وبريقها مع توالي الأيام وتتحوّل إلى واقعٍ روتينيّ في روزنامة الحياة السياسية اللبنانية الرتيبة.

بعض المتابعين، وصف «تنسّك» صليبا وخلف بالـ»طوباوية والأفلاطونية» المُنفصلة عن الواقع السياسي المُعقّد. إذ لا قيمة لأي تحرّك من هذا النوع في بلاد يحترف سياسيوها (من دون تعميم) مهنة ضرب المواعيد الدستورية واستحقاقاتها. هذا الرأي، يتماهى بعض الشيء مع تصريح النائبة صليبا في بيان فكّ اعتصامها أمس، قائلةً: «كان اعتقادنا راسخاً بأن الفرصة الموضوعية، الداخلية، كانت مؤاتية يومذاك للتوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، لكنّنا اكتشفنا أن الواقع على الأرض كان غير ذلك تماماً». اكتشفت أنّ «رئيس مجلس النوّاب مستنكف لأسبابٍ متعددة ومتشابكة، عن دعوة الهيئة العامة إلى جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس. وهو لطالما امتنع من القيام بذلك الواجب، لعدم تأكده والجهات التي تؤيده من النتائج المترتبة على التصويت لانتخاب رئيس للجمهورية في جلسات مفتوحة. واكتشفنا ثانياً، غياب الإرادة عند النواب أن يتداعوا لانتخاب رئيس، واستقالتهم من تحمّل مسؤوليتهم في هذا الشأن، من دون تعميم طبعاً».

أمّا النتيجة وفق صليبا، فكانت أنّ «مجلس النواب، الذي يجب أن يكون «سيّد نفسه»، تنكّر لواجبه الدستوري، مستسلماً لإرادة الشغور، التي يشرف عليها رئيس المجلس بذاته، ومَن يماشيه في موقفه هذا، مستقيلاً عن سابق تصور وتصميم من دوره، جاعلاً القرار السيادي يخرج من لبنان ويصير في مهبّ الأيدي والمصالح الخارجية، الإقليمية والدولية».

في المقابل، تشدّد صليبا لـ»نداء الوطن» أن هذا الإنسحاب الأحادي، ليس «استلاماً أو تراجعاً، من اعتكف 8 أشهر يستطيع البقاء سنة أيضاً». أشارت إلى أنّها «منسجمة وصريحة مع ذاتها كما دائماً، وأنّه بات لزاماً عليها متابعة اهتمامات وشؤون المواطنين من خارج المجلس». تضيف: «لا أريد أن يشاهدني الناس في الندوات والمؤتمرات واللقاءات السياسية والثقافية والبيئية والإجتماعية نهاراً، وفي المجلس ليلاً. أو يظنّوا أنني أتابع أعمالي اليوميّة بشكل طبيعي ما يتناقض مع مفهوم الإعتكاف». لهذه الأسباب ارتأت فكّ اعتصامها، مؤكّدة «وقوفها الدائم إلى جانب زميلها في الوقفة والنضال النقيب ملحم خلف الذي سيستمر في وقفته حتى انعقاد جلسة مفتوحة بدورات متتالية».

«روما من فوق غير روما من تحت». 243 يوماً كانت كافية بالنسبة لصليبا لمعاينة كواليس العمل البرلماني. لا تريد الحديث عن كل ما عانته هي وخلف من إجحاف وضغوطات سياسية ومعنوية لا تليق بممثلي الشعب والأمّة. لكنها تشير إلى سوء المعاملة من قبل شرطة المجلس، مردفةً «العناصر لا ذنب لهم، فهم عبد مأمور، المشكلة بمسؤوليهم والقيّمين على مبنى المجلس. عاملونا كأننا غير موجودين، تحمّلنا الحرّ والصقيع. لا كهرباء ولا مكيّفات»، مردفة: «نحنا مش أحسن من اللبنانيين المحرومين». تكتفي صليبا بهذا الكلام بانتظار الوقت المناسب للإفصاح عن كلّ ما جرى في تلك الحقبة.

شاهد أيضاً

هوكستين يختتم جولته في لبنان بلقاء قائد الجيش العماد جوزيف عون

اختتم الموفد الأميركي آموس هوكستين جولته في لبنان بالاجتماع بقائد الجيش العماد جوزيف عون بعدما …