كتب يوسف دياب في “الشرق الأوسط”:
دقّت الحكومة اللبنانية ناقوس الخطر، حيال موجة النزوح الجديدة من سوريا إلى لبنان، التي تعاكس رغبة الدولة بإعادة النازحين إلى بلادهم وتنذر بزيادة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية وتفاقم الخطر الأمني، فيما تبدو الأجهزة الأمنية والعسكرية والبلديات عاجزة عن ضبطها وسدّ مئات معابر التهريب التي تنشط عليها العصابات على الجانبين اللبناني والسوري.
موجة النزوح الجديدة تعدّ الأكبر بعد فرار مئات آلاف السوريين إلى لبنان على أثر تحوّل الاحتجاجات الشعبية السورية إلى مواجهة مسلّحة في عام 2012، واستدعت اجتماعاً طارئاً عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع وزير المهجرين عصام شرف الدين والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء آلياس البيسري، والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى، وخُصص للبحث في موضوع النزوح السوري الجديد. ورأى شرف الدين أن «النزوح السوري الجديد الحاصل منذ ثلاثة أسابيع يشكّل ظاهرة خطيرة جداً، لأن النازحين يدخلون من معابر غير شرعية». وتحدّث عن «آلية ردع لوقف هذه الموجة تبدأ بمراقبة الحدود والتنسيق مع الهيئات المسؤولة في سوريا والتعميم على مراكز الجيش والمخابرات والأمن العام ليصار إلى التنسيق مع القائمقامين والبلديات لتحمل مسؤولية أي شخص يستضيف أحداً من النازحين غير الشرعيين». وأشار وزير المهجّرين إلى أن «النازحين الجُدد يدخلون من خلال المعابر غير الشرعية عبر نقاط العريضة وادي خالد (شمال لبنان) وسواها»، محذراً من أن «إيواء أي نازح جديد من السكان المحليين (يضعهم) تحت طائلة العقوبات، لا سيما أن هناك شبكات تهريب على جانبي الحدود تعمل بشكل منتظم».
وتنتشر أربعة ألوية من حرس الحدود عند المناطق الشمالية والشرقية المتاخمة للحدود مع سوريا، لكنّها تبقى عاجزة عن احتواء كلّ المنافذ، مما يسهّل على شبكات التهريب التحرّك بسهولة على الجانبين، وكشف مصدر أمني أن الجيش اللبناني «تمكن من توقيف 850 شخصاً سورياً خلال شهر آب سواء على الحدود مباشرة، أو على الحواجز المتمركزة في البلدات الحدودية في وادي خالد وشدرا وأكروم والهرمل والقصر وغيرها». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش اللبناني «ينشر نحو أربعة آلاف جندي على الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا موزعين على أربعة ألوية، لكنّ مسألة ضبط 370 كلم (طول الحدود البرية مع سوريا) صعبة ومعقدة، بسبب نقص العديد والتجهيزات والآليات، وصعوبة سدّ المنافذ في المناطق الجبلية الوعرة». وقال: «لقد أقفل الجيش في الأسابيع الماضية عشرات المنافذ الأساسية بالسواتر ونصب الكمائن، لكن عمليات التسلل تبقى قائمة سواء عبر الدراجات النارية أو التحركات الراجلة»، كاشفاً عن أن هناك «عصابات تنشط على الجانبين اللبناني والسوري وتنسّق فيما بينها لتسهيل عمليات تهريب الأشخاص مقابل استفادة مادية».
ورأى المصدر الأمني أن «ثمة عوامل كثيرة تدفع إلى هذا النزوح منها الوضع الاجتماعي الصعب للغاية، وخشية الشباب من إعادة تجنيدهم والزجّ بهم على جبهات قتال جديدة». ورأى أن «المطلوب تعديلات قانونية تفرض عقوبات مشددة على المهربين، فلا يُعقَل أن الأجهزة الأمنية توقف مهربين وتُفاجأ بإطلاق سراحهم بعد أيام، على اعتبار أن فعلهم يعدّ مخالفة للقانون وليس جنحة أو جناية».
وفي ردّ على موقف وزير المهجرين الذي يُحمّل البلديات جزءاً من مسؤولية إيواء المتسللين، ذكّر رئيس بلدية العماير في وادي خالد أحمد الشيخ، بأن البلديات «ليست مسؤولة عن ضبط الحدود ومنع التسلل». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «صاحب السلطة في ضبط التهريب هو فوج حرس الحدود البرّي». واعترف الشيخ بـ«وجود ناشطين يساعدون في دخول النازحين». وقال: «كلّ عاطل عن العمل سواء من اللبنانيين أو السوريين الموجودين في لبنان استغلّ هذه الظاهرة وصار ناشطاً في عمليات التهريب». وكشف أن «موجة النزوح الحالية تأتي من المناطق التي يسيطر عليها النظام، لا سيما من طرطوس واللاذقية وحلب وحمص، واللافت أنها المرّة الأولى التي نشهد فيها نزوحاً لأبناء الطائفة العلوية والمسيحيين أكثر من السنة».