كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
دخل تقرير »الفاريز ومرسال» حيّز الجدل السياسي – القضائي والمزايدات السياسية وتصفية الحسابات. قبل الإعلان عن مضمونه تمّ تصوير محتوياته على أنّها مفصلية وأنّ الشركة التي هددت بالإنسحاب مرات عدة لعدم تعاون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خرجت بما يحدد سرّ الأزمة ويفضح المتورطين. أعلن التقرير ونشر مضمونه، أرقام وتسميات لم تقترن بالوثائق والإثباتات اللازمة للتحقق منها، هكذا تقول مصادر قضائية، وعلى خلفية ما تضمنه، عاد تبادل الإتهامات بين «التيار الوطني الحرّ» والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل. جدل سياسي – سياسي، وسياسي – قضائي أفرغ التقرير من مضمونه وحوّله إلى مادة خلاف.
من وجهة سياسية وخلال جلسة لجنة المال والموازنة النيابية كان حاكم مصرف لبنان بالوكالة موضع تساؤل حول ما ورد في ملف التدقيق الجنائي، وقال إنّه مستعد لتقديم المستندات اللازمة للقضاء. ومن وجهة قضائية هناك رأي يقول إنّ شركة «ألفاريز ومارسال» لم تقدم أدلة بل مجرد روايات غير مسندة إلى اثباتات، ما لا يسهل عمل القضاء بالشكل المطلوب، لأنّ التدقيق يكون جنائياً بينما التقرير هو تقرير محاسبي، ولذا يفترض أن يكون التدقيق الجنائي مرتكزاً على أدلة وبراهين.
ومع انتهاء العقد الموقع بينها وبين الدولة اللبنانية، هل أنهت الشركة مهمتها ولم تعد معنية بالنقاش اللبناني الدائر؟ أم أنّ وزارة المالية بصدد التقدم بطلب تجديد التعاقد معها لغايات متعلقة بالمعلومات التي أوردتها في التقرير؟
تجزم مصادر مالية أنّ لا مجال للتجديد ولا لزوم له لأنّ الشركة قدمت ما توافر لديها وأودعته الجهة المعنية، ولو وجد من يتحدث عن حاجة للتعاقد معها مجدداً لأنّ تقريرها لم يأت بما يبنى عليه، فهل لأنّ مصرف لبنان حجب عنها المستندات التي تدعم معطياتها وما توصلت إلى معرفته؟ سبق وقالت الشركة إنّ عملها الجدي لم يبدأ إلا حين تسلمت المستندات اللازمة من رياض سلامة وهذا ما أكده الحاكم بالإنابة وسيم منصوري بالقول إنّ المجلس المركزي سبق وأخذ قراره بتسليمها كل ما تطلبه.
ويندرج في أساس اللغط المستجد، الخلط بين المعطى القضائي والسياسي. من وجهة سياسية فإنّ المطلوب احالة الملف إلى جهة قضائية لتباشر تحقيقاتها بشأن ما ورد فيه. بدأ التصويب على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات المتهم بتمييع التحقيق، لكن هناك رأياً قضائياً يرفض تحميله المسؤولية، وتؤكد مصادر قضائية رفيعة «انّ الأفضل لو يصار إلى توزيع التقرير على عدة جهات نسبة إلى مضمونه وما يقتضيه. يمكن أن يحوّل إلى مجلس النواب لطلب تحقيق برلماني حول التغطية السياسية التي تأمنت لسلامة والطبقة السياسية التي استفادت من اجراءاته المالية، خاصة وأنّ التقرير أظهر أنّ كل القوى السياسية تقريباً استفادت منه ومن هندساته. كما يمكن إحالته إلى التفتيش المركزي لما يتضمنه من حديث عن انتهاكات لموظفي الدولة حيث يفترض بالتفتيش المركزي اعداد التقرير اللازم عنهم لملاحقتهم، وإلى النائب العام الإستئنافي في بيروت لأنّ دعاوى المصارف مقدمة في الأساس أمام هذه الجهة القضائية ولأن مركز مصرف لبنان هو بيروت ولو أنّ رغبة «التيار» بتحويل الملف إلى القاضية غادة عون.
وفي شق من مضمونه، يرتبط التقرير بديوان المحاسبة لوجود عقود وصفقات بحاجة إلى اعادة المحاسبة بشأنها، وبالتالي المنطق يقول، والحديث للمصدر القضائي، إنّ توزيع التحقيق على الجهات المعنية كل حسب اختصاصة نسبة للجرم المرتكب من شأنه أن يسرّع اظهار النتائج، وذلك لا يكون بقصد التمييع، بينما اذا سلم إلى جهة قضائية واحدة فيمكن لهذه الجهة أن تتعرض للضغط أو الإبتزاز بما يؤثر على الملف. تعدد الجهات القضائية من وجهة نظر المصادر القضائية، سيحقق عنصر المنافسة للوصول إلى النتيجة ومنع التلكؤ ويؤمن فتح الملف بشكل قانوني. ويتساءل المصدر القضائي الرفيع: لماذا لا تتخذ الطبقة السياسية قراراً بإحالة التقرير إلى المجلس العدلي المتخصص بالجرائم التي تمس بأمن الدولة ونحن أمام تهم تمس بأمنها من الناحية المالية والإقتصادية».
اضف إلى كل ذلك وجود نقطة بالغة الأهمية ومن شأنها أن تضع حداً لكل النقاش الدائر حيث اشترطت الشركة في العقد الموقع معها عدم استخدام اسمها كمصدر في أي تحقيق قضائي، فإذا ما تمّ الادعاء بموضوع الكهرباء مثلاً فلا يكون بالإستناد اليها كمصدر وانما اعتماد الرقم الذي خرجت به، أي استحالة استخدام المعلومات في اطار محاكمات والا يمكن للشركة أن تدّعي على الدولة اللبنانية.
وكما في القضاء كذلك في السياسة، شكّل التقرير محطة خلافية جديدة بين «التيار» ورئيس المجلس نبيه بري عبر عنه المعاون السياسي علي حسن خليل بمطالبته البدء من وزارة الكهرباء بينما يصر «التيار» على فتح ملفات مصرف لبنان وكشف أسماء المستفيدين من هندسات سلامة وامتيازاته المختلفة. وعلى ضفة خلاف الطرفين تتوقف مصادر الحاكم بالانابة عند رده «المؤسساتي» حيث أبدى «استعداده للمساهمة في تسهيل كل ما هو مؤسساتي وضمان حسن سير التحقيق»، لكن هل يفي مثل هذا الكلام بغرض الطامحين إلى بلوغ النكايات السياسية مداها انطلاقاً من التدقيق الجنائي؟ وهل يكون القضاء هو الضحية والحلقة الأضعف؟ ومن سيؤمن المخرج المناسب للإشكالية الواقعة بين القضاء والسياسة؟