كتبت باسمة عطوي في “نداء الوطن”:
ليس أمراً عادياً أن يستغرق كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلته التلفزيونية الاخيرة عن منصة «صيرفة» نحو 20 دقيقة، شدد فيها على أن «مصرف لبنان تحول من خلالها الى لاعب أساسي في السوق النقدي»، مؤكداً أنها «أمّنت الاستقرار المالي من دون ان تكلف المركزي اي خسارة بالدولار». فدفاع سلامة عن «صيرفة» وتأييده لاستمرارها، يأتيان في مواجهة كلام لنوابه بأن «المركزي سيوقف عمل منصة الصرف المثيرة للجدل بعد انتهاء فترة عمل سلامة، نظراً لافتقارها إلى الشفافية والحوكمة، واجراء محادثات مع «بلومبرغ» و»رويترز» لانشاء منصة جديدة». وكان البنك الدولي قال إن «صيرفة» ليست فقط أداة نقدية غير مؤاتية، ولكنها تحولت أيضاً إلى آلية لتحقيق الأرباح من فارق الأسعار، لأن المتعاملين فيها ربما يكونون قد حققوا أرباحاً وصلت إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق التسعير، من دون احتساب صرف رواتب القطاع العام»، واصفاً المنصة بأنها «نموذج للسياسات الضعيفة وغير المجدية غالبا».
بارقة أمل لتوحيد أسعار الصرف
من المفيد التذكير أيضاً أن «صيرفة» أحد أسباب تهيّب نواب الحاكم الأربعة لاكمال مهامهم بعد رحيل سلامة، لأن فشلهم في ادارة منصة جديدة بمواصفات عملية ونزيهة سيرتد عليهم سلباً سياسياً وشعبياً. علماً أن خبر التوجه للتخلي عنها شكّل بارقة أمل لكثير من الطامحين لتوحيد سعر الصرف وتحريره، من أجل وقف النزيف الحاصل في احتياطيات مصرف لبنان وايقاف تسجيل خسائر في ميزانيته. فضلا عن توخي الشفافية، فعندما يكون هناك منصة للتداول او بورصة يفترض، بحسب الخبراء، أن يكون لها قيود تسجل في مقاصة، تظهر من اشترى ومن باع، مع إمكانية الوصول الى هذه المعلومات، وإظهار واضح لهوية الحسابات في حال تم طلبها من الجهة الرقابية، وهو ما ليس متوفراً على «صيرفة رياض سلامة».
عوائق ونواقص وخلل بنيوي!
من المفترض أن نواب الحاكم يضعون اللمسات الاخيرة على اطلاق منصة جدية وبديلة، تساعد في تحرير سعر الصرف وتحقق استقراراً معيناً، فهل هذا ممكن في ظل عقبات سياسية وتشريعية، أبرزها عدم وجود تشريع نيابي يساعد على اطلاق خطة اصلاح متكاملة (وهي من شروط نجاح المنصة الجديدة)، كإقرار لقانون الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة للمصارف وموازنة بعائدات ضريبية جيدة؟ بالاضافة الى عدم إمكانية إطلاق خطة حكومية إصلاحية لأن الحكومة الحالية يقتصر دورها على تصريف الأعمال بسبب الشغور الرئاسي.
الأمر أهون مما يهوّلون به
يتعين القول انه لا يمكن الاستمرار في منصة صيرفة الحالية للاسباب التي باتت معروفة. اما المنصة الجديدة فانها قد تطلق العنان لسعر صرف الدولار الذي قد يرتفع مقابل الليرة، لكن ليس على النحو الذي يتم التهويل به. فلدى البنك المركزي القدرة على لجم الصعود من خلال التحكم بالكتلة النقدية بالليرة. للمثال إذا صعد الدولار الى 150 الف ليرة سيسهل كثيراً على مصرف لبنان التدخل بملايين دولارات قليلة لضبط التوازن وامتصاص ما يمكن امتصاصه من السيولة بالليرة او حتى تعطيش السوق فيتعدل سعر العملة الوطنية ايجاباً.
لنفترض ان الكتلة النقدية 100 الف مليار ليرة، وان سعر صرف الدولار 150 الف ليرة، فان كامل الكتلة النقدية بالليرة يساوي 666 مليون دولار فقط اي اقل من 8% من الاحتياطي المتوافر حالياً بالدولار. وبالتالي فان استخدام عدة ملايين من الدولارات على المنصة الجديدة سيشكل فرقاً في السوق. ولا ننسى ان لتعطيش السوق وتجفيفه نسبياً من الليرة آثاراً بالغة اذا علمنا ان دفع الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة يجب ان تدفع بالليرة اي ان الطلب على العملة الوطنية مستمر من قبل التجار والمستوردين. واذا فرض الدفع بالليرة على مستويات اخرى فان البنك المركزي يستطيع التحكم بسعر صرف الدولار على نحو كبير جداً.
أين هي المعلومات الكاملة؟
في هذا الاطار يشرح الخبير المصرفي غسان شماس لـ»نداء الوطن» أن «التعاون مع بلومبرغ ( او رويترز) يتطلب تأمين معلومات من السوق أو ما يسمى real data، والسؤال الكبير هو من سيؤمن هذه المعلومات، وهل الصرافون مستعدون للتعاون معها على مدار الساعة؟ لأن «بلومبرغ «لن تتمكن من جمع معلومات من السوق من دون هذا التعاون، وهل سيتم وضع terminal عند الصرافين؟ وهل سيصرحون عن هذه العمليات؟
يرى شماس أن «طرح الدكتور شاهين هو نظري، صحيح أن هدفه محق ولكن مصدر المعلومات هو الاساس، ويفترض ان كل الصرافين سيبلغون الوكالة ( بلومبرغ) سعر السوق وعندها يمكن استنتاج السعر ويتم تحديده»، سائلاً «ما هو الفرق بين منصة بلومبرغ وبين التطبيقات الموجودة على هواتفنا في حال لم يتعاون الصرافون مع الوكالة حول العمليات التي تحصل في السوق؟ وهل هناك ضمانات ان تقفل الاسواق يوم العطل على غرار ما يحصل مع الوكالة؟»، ويوضح أنه «في حال تولى المركزي جمع هذه المعلومات، فهذا يعني أن الامر لن يختلف عن منصة صيرفة، لان معلوماته مستقاة من العمليات التي يجريها وليس من العمليات التي تجري في السوق، اذ ان لصيرفة دورين: الاول والاساسي هو اخذ المعلومات من الصرافين وتحليلها والاعلان بعدها عن سعر الدولار الوسطي، والدور الثاني هو أنه حين يريد المركزي طرح دولاراته، يتم طرحها من خلال صيرفة اي من خلال المصارف تحت عنوان المنصة».
منصة لا تحلّ محلّ تدخّل المركزي
يضيف: »ما يريده نواب الحاكم هو انشاء منصة تلعب الدور الاول لصيرفة. وبلومبرغ لن تتمكن من القيام بالدور الثاني اي طرح اموال في السوق والبيع والشراء»، سائلاً «لماذا لا نسمي الامور بأسمائها ونقول ان صيرفة هي فكرة انشأها المركزي وتديرها مساعدة الحاكم ماريان الحويك ومهمتها اخذ الاوامر من المصارف اللبنانية بشراء الدولارات، والغاؤها يعني ايقاف استفادة المصارف والمواطنين والتجار منها؟».
ويوضح أن «أغلب المستفيدين من صيرفة هم المصارف، و85 بالمئة من زبائنها يشترون الدولار بالليرة وثم يبيعونه بسعر أعلى، والمركزي راضٍ عن هذا الامر، لأنه حين يعاود جمع الدولار من السوق ويستفيد المواطن يحصل نوع من الاستقرار في سعر دولار السوق السوداء». ويختم: «رأيي الشخصي أنه لن يتم الغاء صيرفة ولكن سيتم تخفيض الاستفادة منها».
النوايا السليمة لا تكفي!
يصف الخبير المالي ميشال قزح «نوايا نائب الحاكم الدكتور سليم شاهين بأنها سليمة، لجهة محاولة الغائه منصة «كلاود إكس»، التي تديرها الحويك، ونقلها الى منصة عالمية وهي بلومبرغ، كما أنه يتجنب أن يتولى ادارة المنصة الجديدة من قبل بورصة بيروت لأنه يعرف أن هناك ايضاً شبهات بالفساد، وبالتالي الاستعانة ببلومبرغ أو رويترز هدفه ان تكون منصة عالمية من خارج لبنان».
في المقابل يشدد قزح على أنه «قبل تأسيس اي منصة يجب حل او تصور حل لمشكلة الودائع، وفي حال تم اقرار السحوبات على سعر صيرفة (85 الف ليرة) فهذا سيؤدي الى تضخم الكتلة النقدية بشكل مرعب وسيحصل انهيار لسعر الصرف وسيسجل الدولار قفزات كبيرة في السوق السوداء. لأن السحوبات التي ستجري بالليرة اللبنانية سيتم تلقائيا استخدامها لشراء دولارات من السوق السوداء»، شارحاً أنه «قبل تنفيذ اي خطوة يجب معالجة ملف الودائع، والاّ ستتحول منصة بلومبرغ الى منصة شبيهة بمنصة صيرفة اليوم، وهذا يعني معالجة الخطأ بخطأ. رياض سلامة سيخرج من المركزي قريباً وتلقائياً ستلحق به الحويك، والمطلوب استلام ادارة منصة صيرفة لفترة انتقالية، تظل خلالها شركة «كلاود اكس» على نشاطها الى حين خلق بديل عنها داخل مصرف لبنان، وتتسلم ادارتها مديرية الصيرفة، فشفافية الاسعار يمكن ان تتحقق من خلال العمل من داخل مصرف لبنان وبورصة بيروت قبل الاستعانة ببلومبرغ وليس العكس، والا فالمضاربة ستكون كبيرة جداً من مستثمرين وشركات استثمارية».
«كلاود اكس» و«فوو»
يوضح قزح أن «كلاود اكس» هي شركة وهمية وقّعت اتفاقية مع شركة «فوو»، ومهمتها انشاء mobil apps وaplications، واستعانت بها الحويك لانشاء منصة صيرفة على ان يدفع مصرف لبنان الكلفة وحققت ارباحاً طائلة»، معتبراً أنه «من حق شاهين الغاء هذه الاستفادة لكن يمكنه الاستعانة بموظفي مصرف لبنان او بشركة مشابهة لشركة «فوو» أو بخدمات بورصة بيروت لانشاء منصة، هناك خيارات متعددة. فالاستعانة ببلومبرغ يعني انشاء منصة على نسق صيرفة، ولا جديد في الامر مع كلفة عالية للاستعانة ببلومبرغ بملايين الدولارات».
مثال الليرة التركية
يعطي قزح مثلاً على آلية عمل المنصة الجديدة من خلال مثال على الليرة التركية، فيقول «تضع بلومبرغ code لليرة التركية وتحصل عمليات شراء وبيع للعملات من خلال المصرف المركزي التركي، وحين يحصل طلب على الدولار وعلى الليرة عندها تتحرك العملة من خلال منصة بلومبرغ، ولا تعود السيطرة للمصرف المركزي بل لعملية العرض والطلب».
يضيف: «المضاربات التي تحصل على الليرة التركية لا تتعلق فقط بميزان المدفوعات، بل بالمراهنات التي تحصل ضدها بشكل كبير مما يؤدي الى انهيارها تلقائيا، نحن عرضة لهذا الامر حين يتم التعاون مع بلومبرغ لانشاء منصة، ولذلك هذا القرار يجب أن يؤخذ بعد دراسة معينة وقبل الغاء تعاون شركة كلاود اكس مع شركة فوو»، مشددا على أن «حلّ صيرفة والاستعانة ببلومبرغ هو خطوة ستسر الشعب اللبناني بأن هناك منصة جديدة ستنشأ لكن عواقبها ستحوّل نواب الحاكم الى كبش محرقة، ويمكن استبدالها من خلال انشاء منصة تتولى ادارتها مديرية الصرفيات في المركزي بالتعاون مع بورصة بيروت وان تحصل مؤازرة ومكافحة من القوى الامنية للأشخاص الذين ينشئون aplications وايقاف المضاربات».
ويختم: «هناك خطوات يمكن ان تحفظ سعر الصرف. الاولى ان تقوم الحكومة بمسؤولياتها واتخاذ الاجراءات لالغاء العجز في ميزان المدفوعات، مما سيساعد المركزي على عدم اللجوء لطباعة الليرة بل بالعكس يصبح لديه فائض دولارات، اما اذا بقيت الحكومة متقاعسة عن القيام بواجباتها سيضطر المركزي لطباعة الليرة، لتغطية العجز، وهذا ما سيؤدي الى انهيار الليرة اكثر».