ماذا يعني الوصول إلى مرحلة “الغليان العالمي”؟

“الغليان العالمي”، هو الوصف الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على الطقس الحار المتطرف الذي يشهده العالم والارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية التي سجلها شهر تموز الجاري، ما دفعه للقول “انتهى عصر الاحترار المناخي العالمي، حلّ عصر الغليان العالمي”.

ووفق ما نقل موقع الأمم المتحدة عن مدير خدمة “كوبرنيكوس” لمراقبة تغير المناخ، كارلو بونتيمبو، فإن درجات الحرارة المسجّلة في تموز كانت “استثنائية” إلى حد أن العلماء “واثقون بأن الأرقام القياسية قد تم تجاوزها حتى قبل نهاية الشهر”، مضيفا أن هذه الدرجات “قد تكون قياسية حتى منذ نحو مئة ألف عام” وذلك بناء على بيانات مناخية غير مباشرة مثل حلقات الأشجار وما يحفظه الجليد.

وأكد غوتيريش أن هذا الواقع يتناسب مع التوقعات والتحذيرات المتكررة، لكن المفاجأة الوحيدة المسجلة هي “سرعة التغير”، قائلاً إن “تغير المناخ صار هنا، وهو مرعب وهذه مجرد البداية”، داعيا إلى اتخاذ إجراءات سريعة وقوية لوضع حد للانبعاثات المسببة لارتفاع حرارة الأرض.
كما وصف الصيف الحالي بأنه “كارثة على الكوكب بأسره، حيث سيكون “قاسياً” بالنسبة لأجزاء شاسعة من أميركا الشمالية وأفريقيا وأوروبا.

“الغليان العالمي”.. علمي؟

أثارت تصريحات غوتيريش مخاوف عالمية لناحية المرحلة الراهنة التي يشهدها الكوكب لناحية ارتفاع درجات الحرارة، لاسيما وأن كلامه أوحى بانتقال للعالم من مرحلة إلى أخرى، أكثر قسوة وخطورة، وهو ما فرض البحث عن مصطلح “الغليان العالمي”، وأساسه العلمي، وما يعنيه من انعكاسات على حياة الناس.

إلا أنه، ووفق ما تؤكد مديرة مشاريع تغير المناخ الخاصّة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدى وزارة البيئة ليا قاعي، ليس هناك ما يسمى مرحلة “الغليان العالمي” علمياً، مؤكدة في حديثها لموقع “الحرة”، أن ما يشهده العالم اليوم هو التغيير المناخي، أو ما يسمى بـ”الاحترار العالمي”، ولكن ليس “الغليان العالمي”.

وتضيف: “لا أعتقد اننا انتقلنا هذا العام من مرحلة معينة إلى أخرى تسمى الغليان العالمي، كما يحكى”، فالأمر “لا يجري بين يوم وآخر، وإنما يحصل بشكل تصاعدي توضحه الداتا، حيث تظهر أن كل عام يكون أعلى حرارة من العام الذي يليه، وبالنظر إلى ما سجل قبل عقود يتضح الفارق”.

وتبيّن قاعي أن العالم لا يعيش مرحلة “غليان” بالمعنى العلمي للكلمة، فهي ليست المرة الأولى التي تشهد موجات حر، وفي المقابل أيضا سيكون هناك موجات برد قاسية، معتبرة أن هذه الموجهات المتطرفة “هي الترجمة الفعلية للتغير المناخي”.

ووفق قاعي، فإن هذا المصطلح لا يزال جديدا جدا، منذ أيام، وبالتالي لا يزال غير مستخدم علميا، “ولا أعلم إذا ما كان سيصبح متداولاً مع الوقت للتعبير عن التغيير المناخي الذي نعيشه.”

يؤكد على ذلك كل من رئيس حزب البيئة العالمي، ضومط كامل، والمدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، جواد الخراز، في حديثهما لموقع “الحرة”.

يرى الخراز أن استخدام الأمين العام للأمم المتحدة لهذا المصطلح كان في سياق “التعبير الأدبي” عما وصل إليه العالم لناحية الاحتباس الحراري والاحترار المناخي المستمر منذ عصر الثورة الصناعية، مع ارتفاع نسب الكربون إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، “وأدى إلى ما نعيشه اليوم”، مؤكداً أن الأمين العام للأمم المتحدة “يقوم بدوره في هذا الشأن”، عبر دق ناقوس الخطر وتنبيه الدول إلى الواقع القائم من أجل ضمان اتخاذ إجراءات فورية وسريعة.

من جهتها، تشدد قاعي على أن كلام غوتيريش عن “الغليان العالمي”، وإن لم يكن توصيفا علميا، إلا أنه يهدف للتحذير من الخطر القائم، “كما يفعل بشكل مستمر”.

وتلفت إلى أنه في السنوات الماضية، استخدم الأمين العام للأمم المتحدة أكثر من مرة مصطلح “إنذار أحمر” أو “حالة تأهب قصوى” في سياق توصيفه لأزمة المناخ، “وهذا لا يعني أننا سنموت غدا” وإنما لدفع الدول من أجل التحرك السريع وتقديم التزامات بشأن التغير المناخي تكون طموحة أكثر، لأن التزامات الدول النامية حتى اليوم “ليست كافية”.

وتشرح قاعي أنه على الدول البدء من اليوم في التزاماتها لكي يحصد العالم النتيجة بعد 20 أو 30 عاماً، وينجح في قلب هذه الأنماط المتطرفة، لأن اتخاذ الإجراءات والالتزامات في وقت متأخر لن يكون له هذه النتيجة في حينه.

وعليه تدعو قاعي للتعامل مع ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة على أنه “إنذار من أجل البدء باتخاذ إجراءات حقيقية”.

آثار كارثيّة… و”تهديد وجودي”

كان غوتيريش قد أوضح أن عواقب هذا الارتفاع القياسي في درجات الحرارة “واضحة ومأساوية” حيث تجرف الأمطار الموسمية الأطفال وتهرب العائلات من لهيب النيران وينهار العمال بسبب الحر الشديد. وأضاف متوجها إلى الدول المعنية بالقول: “لا مزيد من التردد. لا مزيد من الأعذار. لا مزيد من انتظار الآخرين للتحرك أولا”.

كلام الأمين العام للأمم المتحدة تزامن أيضاً مع تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن، وصف فيها التغيير المناخي وارتفاع درجات الحرارة بأنه “تهديد وجودي”، مؤكداً أن الحر هو “القاتل الرقم واحد المرتبط بالطقس”.

وأضاف من البيت الأبيض، في اتصال عبر الفيديو مع رؤساء بلديات في ولاية تكساس، أنه لا يعتقد أن احدا “يستطيع ان ينكر بعد اليوم تأثير التغير المناخي”، لافتاً إلى اتخاذ اجراءات لضمان سلامة الاشخاص الذين يعملون في الهواء الطلق في شكل أكبر، مع زيادة تمويل خدمات الارصاد الجوية.

ويعتبر الخبير المناخي ضومط كامل أن توصيف الرئيس الأميركي للواقع المناخي بأنه “تهديد وجودي” هو “دقيق للغاية”، ومبني على ما تظهره أهم مراكز الدراسات في العالم، ومن بينها ناسا. ويضيف أن الاحترار العالمي يتجه ليشكل خطراً أكبر في السنوات المقبلة، “فإذا ما نظرنا إلى الأعوام 2030 2040 و2050 أول سؤال يتبادر هل ستكون كافة الأراضي جاهزة للسكن البشري؟”، مؤكداً أن هناك مناطق عديدة ستكون خالية من السكن بسبب الجفاف التام، وتمدد التصحر والحرارة العالية.

وكعالم بيئي يتابع ملف التغيير المناخي منذ العام 1975، يؤكد كامل أن الوصول إلى هذه المرحلة كان أمراً متوقعاً ومحسوباً منذ تسعينيات القرن الماضي، “في حينها كنا نتحدث عن الاحتباس الحراري، وعن ضرورة تبريد الكتل الجوية التي ستبقى ساخنة وترفع من حرارة الكوكب”.

يشدد كامل على أهمية المبادرة التي يقوم بها المبعوث الأميركي للمناخ جون كيري، الذي طالب خلال حواره مع الصين، بإنشاء لجان حول العالم من أجل مواجهة التغير المناخي العالمي، معتبراً أن هذا الأمر بما وصل إليه من خطورة بات بحاجة إلى “طوارئ علمية وجهود حثيثة”، خاصة في السنوات الخمس المقبلة التي سنشهد خلالها احترار عالمياً غير مسبوق.

شاهد أيضاً

دول تتعهد باعتقال نتنياهو وغالانت.. وواشنطن تهدد الجنائية الدولية

تباينت ردود الفعل الدولية على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء …