من سيحكم العالم في العقد القادم

في لقاء “تد” الشهير استمعت “لأيان بريممر” يتحدث عن القوة الكبرى القادمة،وأردت مشاركة القرّاء الأعزّاء به، فترجمته بتصرّف.

السؤال الكبير …من يدير العالم؟ كان للأمس سؤالا هينا وجوابا هينا.

إذا كنتم فوق عمر الخامسة والأربعين فأنتم عشتم في عالم تحكمه قوتان: أميركا و الاتحاد السوفياتي..هذا كان عالم القطبين.

أما إذا كنتم تحت الخامسة والأربعين فأنتم عشتم في زمن انهار فيه الاتحاد السوفياتي وغدت أميركا القوة الأوحد التي تسيطر على المؤسسات العالمية وتضع القواعد في عالم القطب الأحادي.

من خمسة عشر سنة أصبحت الأمور أكثر تعقيداّ…الولايات المتحدة وبشكل متزايد لم تعد تريد ان تكون شرطي العالم، أو مهندسة التجارة العالمية.

دول أخرى أصبحت أكثر قوة وأصبح بإمكانهم تجاهل الكثير من القواعد التي لا يستسيغونها و استحداث قواعد جديدة في بعض الأحيان.

ماذا حصل حقاّ؟ هي ثلاثة أمور : أولا لم يتم اندماج روسيا في المؤسسات الغربية…قوة عظمى سابقا في انهيار جدي وهم في غضب شديد…وقد نتحاور حول المسؤولية هنا ولكن هذا هو الواقع الحالي.

الأمر الثاني أن الصين تم اندماجها في المؤسسات الغربية على افتراض أنه كلما أصبحوا أغنى وأكثر قوة كلما أصبحوا أميركيين…ولكنّهم في الواقع ظلّوا صينيين،والولايات المتحدة ليست سعيدة بذلك.

الأمر الثالث أن الملايين في أمريكا والدول الغنية الديمقراطية تخلفوا عن الركب بسبب العولمة وذلك ما تم تجاهله منذ عقود فشعروا بأن حكوماتهم وقادتهم كانوا غير شرعيين.

اذا تطلّعتم لمعظم العناويين في العالم اليوم التي تقود كل هذه التوترات الجيوسياسية والصراعات،نجد أن تسعين بالمئة منها هي بسبب الأمور الثلاثة التي سبق وذكرناها،ولهذا فنحن نعيش اليوم في عالم بلا قيادات.

ولكننا كما نعلم فإنّ هذا الواقع لن يستمر طويلاً، فما الذي سيأتي لاحقاً؟ ما نوع النظام المستقبلي المتوقّع في السنوات العشر القادمة..؟

بعض ما سأقوله سيفاجئكم أيها القرّاء…لأننا لن نكون في عالم أحادي ولا ثنائي ولا متعدّد الأقطاب،وإذا لم يكن عندنا قوة عظمى أو قوتان فلن يكون لدينا نظام عالمي واحد.

اذن سيكون لدينا بدلا من ذلك ثلاثة أنظمة مختلفة ومتداخلة قليلاً،والثالث سيكون له تأثير كبير على حياتنا، كيف نعيش وكيف نفكر وما نريد وما نحن على استعداد لفعله كي ننال مرادنا.

في الأولوية فإننا نعيش في نظام أمني عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها،فهي الوحيدة التي تملك

إرسال جيوشها وبوارجها لأي زاوية في الأرض.والصين تزيد من قواها العسكرية في آسيا فقط والكثير من البلدان الآسيوية الحليفة لأميركا قلقة واصبحت أكثر حاجة لأميركا.كذلك هي حال الدول الأوروبية في ركونها لأميركا وحاجتها للناتو كمظلة أمنية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

روسيا طبعا كانت ذات قوة معتبرة عالميا،خلاف الحاضر،بخاصة حيث خسرت مئتي ألف عسكري والكثير من العتاد،فضلا عن العقوبات التي ستعيقها حتما في العودة.

روسيا والصين وغيرهما يملكان القوة النووية ولكن نحمد الله

انه من الانتحار استعمالها وبالتالي فإننا ما زلنا نعيش في نظام أمني واحد وسنظلّ للعقد القادم.

وكما لدينا نظام عالمي أمني واحد،لدينا نظام عالمي اقتصادي واحد،وهنا نجد مشاركة في القوة،فأميركا التي ما تزال قوة اقتصادية معتبرة إلا أنها لا تستطيع بهيمنتها العسكرية فرض آراءها الاقتصادية على سائر الدول.وأميركا والصين قوتان مترابطتان اقتصاديا بشكل هائل لكن أي منهما لا تستطيع السيطرة على الأخرى.ان مستوى التعاون التجاري بينهما في أعلاه اليوم كما أن الصين ستصبح الأولى في العام 2030،والكثير من البلدان تحتاج الصين تجاريا كما تحتاج اميركا أمنيا وبالتالي لا مجال لحرب باردة وهذا الطرفان هما وحدهما من يستطيع ذلك.

السوق الأوروبية واسعة وهي تضع القواعد وعلى المتعاملين اتباعها،وهنالك الهند التي تلعب دوراّ اقتصاديا على صعيد العالم كذلك هي اليابان،وسوف تعلو وتهبط هذه المقاييس في العقد القادم لكن النظام الأقتصادي سيظل للسنين القادمة نظاما متعدد الأقطاب.

القوتان الكبيرتان تتنازعان فأميركا تستخدم هيمنتها الأمنية لربح مزيد من الاقتصاد وقد بدأنا نشهد ذلك بمثال أشباه الموصلات والمعادن الحرجة وقريبا تيكتوك.كذلك الصين فهي تحاول استعمال ثقلها التجاري للكسب الديبلوماسي،وسيفعل الآخرون جهدهم حتى لا يطغى طرف على آخر،وسينجحون بالتأكيد.

وهذا هو النظام الرقمي، والنظام الرقمي ليس تحت سيطرة الحكومات بل شركات التكنولوجيا. نحن جميعًا نعرف كم دعمًا عسكريًا قدمته البلدان الأعضاء في حلف الناتو لأوكرانيا خلال الحرب، ولكنها شركات التكنولوجيا التي قدمت الأدوات التي سمحت لأوكرانيا بالدفاع عن نفسها من الهجمات السيبرانية الروسية. إنها شركات التكنولوجيا التي منحت القادة الأوكرانيين القدرة على التحدث إلى الجنرالات والجنود على خطوط الجبهة. لو لم يكن لشركات التكنولوجيا هذه، كانت أوكرانيا ستكون خارج الخط بالكامل في غضون أسابيع من الحرب ولا أعتقد أن الرئيس سالينسكي لا يزال هناك اليوم. شركات التكنولوجيا هي التي تحدد ما إذا كان دونالد ترامب قادرا على التحدث في الوقت الحقيقي مع وبدون تصفية لمئات الملايين من الناس وهو يترشح مرة أخرى للرئاسة. إنها منصات وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على تعزيز هذه المعلومات والنظريات المؤامرة، بدونها لم يكن لدينا أعمال شغب في العاصمة في السادس من يناير، ولم يكن لدينا أعمال شغب في آيوا، ولم يكن لدينا انتفاضة في الثامن من يناير في البرازيل، شركات التكنولوجيا تحدد الهويات بشكل متزايد. عندما كنت أكبر، هل هو الطبيعة أو التربية، أعني مشاكلي العاطفية العميقة والدائمة إما أن تأتي من كيف تربيت، أو من فشل جيني، ويمكن أن يكون الأمر كلاهما. ولكن اليوم يتم تحديد هويتنا بواسطة الطبيعة والتربية والخوارزمية، إذا كنت تريد تحدي النظام، فلا يمكنك فقط التشكك في السلطة كما كنا جميعًا نقول عندما كنا نكبر، اليوم عليك أن تتشكك في الخوارزمية وهذا قدر هائل من القوة في يدي هذه الشركات التكنولوجية، ماذا سيفعلون بهذه القوة وذلك يعتمد على من يريدون أن يكونوا عندما يكبرون. لذا إذا عملت الصين والولايات المتحدة على ممارسة القوة أكثر على العالم الرقمي وتحالفت شركات التكنولوجيا في تلك البلدان مع تلك الحكومات سننتهي بحرب باردة تكنولوجية، وهذا يعني أن النظام الرقمي سينقسم إلى نصفين، من ناحية أخرى،

إذا استمرت شركات التكنولوجيا بنماذج الأعمال العالمية واحتفظنا بالمنافسة بين العوالم الرقمية والمادية، سنحصل على عولمة جديدة، نظام عالمي رقمي، أو إذا أصبح النظام الرقمي سائدًا بشكل متزايد، والحكومات تتآكل في قدرتها على الحكم ولقد رأينا بالفعل بداية هذا، ستصبح شركات التكنولوجيا الفاعلين الرئيسيين على المسرح العالمي في كل الطرق، وسنحصل على نظام تكنو قطبي، وهذا سيحدد ما إذا كان لدينا عالم من الفرص غير المحدودة، أو عالم بدون حرية. في هذه النقطة في خطابي من المفترض أن أتحدث عن الأخبار الجيدة، ولكن الذين سمعوا هذا يعرفون أنه ليس قادمًا

لا يوجد زر لإيقاف هذه التكنولوجيات المتفجرة والمعكرة. بصراحة، ليس لدي الإجابات، ولكن لدي بعض الأسئلة للأشخاص الذين يعرفون، لأن شركات التكنولوجيا ليست مجرد ممثلين للخمسين والمائة الأوائل في قائمة فورتشن. هؤلاء أعيان التكنولوجيا ليسوا مجرد رجال بقيمة 50 أو 100 مليار دولار. إنهم بصورة متزايدة أقوى الناس في الكوكب لديهم تأثير على مستقبلنا ونحن بحاجة لمعرفة هل سيتصرفون بمسؤولية عندما يطلقون الذكاء الاصطناعي الجديد والقوي؟ ماذا سيفعلون بهذا الكم الغير مسبوق من البيانات التي يجمعونها عنا وعن بيئتنا؟ والسؤال الذي يجب أن يهمنا جميعًا الآن الأكثر، هل سيستمرون في هذه النماذج الإعلانية التي تدفع الكثير من الإيرادات التي تحول المواطنين إلى منتجات وتساهم في نشر الكراهية والمعلومات المضللة وتمزق مجتمعنا. عندما كنت طالبًا في عام 1989، وسقط الحائط، كانت الولايات المتحدة هي المصدر الرئيسي للديمقراطية في العالم، ليس دائمًا بنجاح، وغالبًا بشكل منافق، ولكن كانت الرقم واحد .اليوم، أصبحت الولايات المتحدة المصدر الرئيسي للأدوات التي تدمر الديمقراطية. القادة التكنولوجيون الذين يخلقون ويتحكمون في هذه الأدوات، هل هم على ما يرام مع ذلك أم أنهم سيفعلون شيئًا حيال ذلك؟ نحن بحاجة لمعرفة ذلك.

شاهد أيضاً

دول تتعهد باعتقال نتنياهو وغالانت.. وواشنطن تهدد الجنائية الدولية

تباينت ردود الفعل الدولية على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء …