لبى اللواء عباس ابراهيم دعوة رئيس مزار سيدة حريصا ومرشد “فرسان الارز” الاب فادي تابت لالقاء محاضرة عن “القيادة فن وقادة”، امام طلاب يشاركون في مخيم “فرسان الارز” في مدرسة قدموس، جوار النخل، في مدينة صور.
بداية، شكر الاب تابت لابراهيم قبوله الدعوة، ثم تحدث عن صفاته القيادية ونجاحه في حل الملفات الامنية والسياسية الاكثر تعقيدا.
بدوره، رحب ابراهيم بالطلاب “في صور، مدينة الامام موسى الصدر الذي قدم المثال الاكبر عن الوحدة وكيفية العيش سويا، والمفهوم الاخير يجب ان يكون مدعاة للفخر ولنظهر العالم كيف يصنع التنوع، وهو نقيض صراع الحضارات”.
اضاف: “ينقض النموذج اللبناني قول العلماء من أن صراع الحضارات حتمي، إن حوار الحضارات هو المصير الحتمي، والنهاية الحتمية سيقررها التاريخ، لكننا على يقين بأن التاريخ سيقرر بأن الحوار هو الحتمية، لذلك نفتخر بهويتنا، وبإنتمائنا ووطننا ويجب أن نكون جميعنا فرسانا على غراركم من اجل الوطن، وليس لفئة من الوطن. في المرة المقبلة، أتمنى أن أرى بينكم فرسانا من مختلف الطوائف، وأن تحتضن الكنيسة كما المسجد فرسانا متعددي الطوائف، حتى يكون لبنان صورة عنكم”.
وتابع: “إن الأمل معقود عليكم كشباب، وانتم مستقبل لبنان، وتتكرس هذه القناعة عندكم بقدر ما يكون مستقبل لبنان أفضل. انا أدرك ماهية الحوادث وقادر على استشراف ما يمكن ان يحدث مستقبلا، لكن الأمل موجود فيكم رغم كل السواد الذي نعيشه، واعتقد انه لو كانت الظروف مختلفة لما كانت هذه القاعة تتسع لفرسان الأرز، لأن العدد سيكون أكبر، ونتمنى أن يكون المسرح في المرة المقبلة مليئا بفرسان الأرز لأن هذا ما نحن بحاجة اليه، فرسان ارز وليس فرسان طوائف وفئات او فرسان محسوبيات يتحولون الى أزلام، ونحن لسنا بحاجة الى أزلام بل الى فرسان ورجال، وصلنا الى هذه المرحلة في لبنان بسبب سوء خياراتنا”.
أضاف: “طلبتم مني التحدث عن القيادة، القيادة هي القدرة على التأثير وتوجيه سلوك الآخرين لتحقيق هدف او اهداف يضعها القائد بنفسه بطريقة يضمن نجاحها والوصول الى الهدف الذي رسمه. القائد هو الشخص الذي يجيد استخدام قدراته وسلطته ونفوذه ليؤثر على سلوك مجموعة لكي يحقق هدفا وضعه بذاته، هدف يخدم المصلحة العامة ولا يخدمه شخصيا، ويجعل من هذا الهدف الذي وضعه، هاجسا وواجبا عند المجموعات التي ستنفذه. يقول نابوليون بونابرت: إن القائد هو تاجر الأمل. ليست القيادة وظيفة، وثمة فارق كبير بين أن تكون رئيسا او قائدا، إن الرئيس يعين او ينتخب، لكن القائد يولد وتولد معه شعلة القيادة، وتلعب الظروف دورا في تحسينها وبلورتها، ويكتسب بالممارسة والفرص التي تتيح له الابداع. إن العلم والتجربة والابداع الشخصي، هذه المعايير الثلاثة التي تعكس شخصية القائد، يضاف اليها القدرة على المبادرة. هذه العوامل الثلاثة، هي الاصل بحياتنا في كل شيء لكن لا مجال اطلاقا لأن نكون قادة بلا تلك الشعلة التي تولد في داخلنا، مهما تدربنا، يمكن أن نكون رؤساء او موظفين ولكن ليس قادة. إن القدرة على القيادة هي أيضا احدى عطايا الله”.
تابع: “اللواء السابق في القوات الجوية الاميركية وليم كوهين، وهو مؤلف كتاب فن القيادة اشار الى أن القيادة لا تولد مع القائد بل هي فعل علم. وبرأيي أن هذا الأمر خطأ، أنا لا أوصيكم بألا تتعلموا، لكن إذا لم تكن لدينا ملكة القيادة، فلا يمكننا أن نتعلم ومهما تعلمنا لن نكتسب شيئا. يقول البعض، أن القادة هم قادة منذ مولدهم، وليس من سبيل غير ذلك، ومن ثم إن ندرتهم مردها الى الطبيعة، ولكن الابحاث تثبت خطأ هذه المقولة. فكثير من القادة الذين عرفوا لاحقا كقادة عظماء ظلوا مغمورين لسنوات. مع تقديرنا، لما يقوله اللواء كوهين فقد اثبتت التجربة أنه قول غير صحيح، الأصل هو الشعلة التي يمنحها الله، وهي لن تتقد بلا التجربة والعلم والابداع الشخصي، لكن ليس كل شخص لديه القدرة على القيادة، تسمح له الفرصة ان يكون قائدا، كثر من الناس يولدون قادة ويموتون من دون ان تسمح لهم الفرصة بممارسة هذه القيادة. إن القائد الناجح هو الذي لا يحب الظهور والتباهي ولا يظهر كثيرا، وحين ينجز اي عمل يقول فريق عمله: لقد انجزنا، وهو يكون من حفز هؤلاء وجعل هدفه أملا لهم. الأهم في القائد ان يكون واضحا، يعني إذا اردت جمع مجموعة وايلائها مهمة او تحفيزها يجب ان اكون واضحا وادخل في التفاصيل، لا يمكنني ان اعطيهم العناوين الاساسية ثم احاسبهم إذا فشلوا. يجب أن يتحلى القائد بالوضوح ويعطي مرؤوسيه التفاصيل وإذا فشلوا لسبب ما أنا كقائد أتحمل المسؤولية ايضا، هذا يعني أنني لم أحفزهم كما يجب على القيام بهذه المهمة وأنا أتحمل جزءا من المسؤولية. انصحكم جميعا بقراءة كتاب “فن الحرب” للفيلسوف الصيني سون تزو وعمره مئات الاعوام. يقول، إن منتهى علو درجات القيادة، أن تكون استراتيجيا حذقا وقادرا لدرجة قدرتك على اخضاع جيش دون خوض أي عمل عسكري، او تستولي على مدن دون ان تحاصرها وحتى أن تطيح بدولة دون أن تلطخ سيفك بالدم”.
وقال: “تعلمت الكثير من هذا الكتاب، وأعاود قراءته مرارا، هذا من الكتب الذي يجب على كل شاب وصبية أن يقرأوه دوما حيث سيجدون كنوزا جديدة. يقول المهاتما غاندي: بطريقة رقيقة يمكنك أن تهز العالم، وهذا الذي قام به، فمن يقرأ سيرة غاندي يرى ما انجزه بالملح فقط. أختم واقول بأن للقيادة 3 مرتكزات رئيسية، هي تحديد الاتجاه، وأن تكون لدى القائد رؤية وقدرة على حشد قوى تحت سقفها ولديه القدرة على التحفيز وشحذ الهمم، والقائد ايضا يتصف بالتوازن والابداع، وان يكون قادرا على اجتراح الحلول في كل مرة يواجه فيها مشكلة، وان يتمتع بالثقة بالنفس الى درجة أن يرصد نقاط الضعف التي لديه ويحاول معالجتها”.
وختم ابراهيم: “القائد هو القادر على الحسم، واتخاذ القرار بشجاعة مطلقة، ثم بقدرة الاقناع والتأثير الى جانب القدرة على التكيف والشجاعة وهما الاهم، كل ما حكيناه لا قيمة له إذا لم يكن القائد قادرا على الامساك بزمام الامور وتحريك الامور كلها نحو الهدف الذي يريد تحقيقه. واخيرا القيادة ليست ادارة بل ابداع وهي مشبعة بالعاطفة ومنها الشجاعة، ويكون القائد قاسيا في اتخاذ القرار بقدر ما يكون متوجعا لكنه يقوم بواجباته إذ يوازن بين مصلحة الكل ومصلحة الفرد والغلبة هي لمصلحة الجماعة”.
وروى ابراهيم قصة عن الامام موسى الصدر: “حيث قام احد الشبان المسيحيين بافتتاح محل لبيع البوظة، فكثرت الاقاويل ضده ودعوات لمقاطعته في المدينة كلها، وحين عرف السيد موسى بالامر قصد محل البوظة وابتاع منها وجلس يأكلها على الطريق حتى يعطي مثالا لجميع الموجودين بأن ما تفكرون به هو خطأ. وهو اعطى مثالا للناس لتتبعه، رغم بساطة هذا المثل، فإنه يعطينا فكرة كم كان هذا الرجل كبيرا وكم كان قائدا، ونحن يجب أن نتعلم ممن سبقنا من القادة وان نحاول التمسك بالمبادئ التي غرسوها”.
وأخيرا أجاب اللواء ابراهيم على أسئلة الطلاب وهواجسهم.