لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى أن “لبنان بحاجة إلى استعادة ميزته، فمنذ إنشاء دولة لبنان، كانت ميزته التعددية الثقافية والدينية، أي شركة في التنوع. وهذا واضح في دستور الجمهورية الأولى سنة 1926 وجاء الميثاق الوطني سنة 1943 ليعبر عن هذه الشركة في التنوع بكلمة العيش المشترك الذي أدخل في مقدمة دستور الجمهورية الثانية سنة 1990 بعد اتفاق الطائف (1989)”، مشيراً إلى أن “سوء الأداء السياسي والخيارات السياسية الخاطئة، وعدم الولاء للوطن، والإستقواء بالخارج، شوه هذه الميزة عندنا، وأوصل البلاد إلى الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية والإجتماعية والأمنية الخانقة”.
وخلال عظة قداس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، أكد الراعي أن “الجميع يتطلع إلى الحكومة رابطين تأييدهم لها بتخفيفها معاناة الشعب، وحل مشاكل الحياة اليومية، وإطلاق الإصلاحات، وتصديها لكل ما ينال من سيادة الدولة وهيبتها وحرمة حدودها”، مضيفاً “مسؤوليتها أن تحيي الأمل بلبنان الواحد في إطار الحياد، واللامركزية الموسعة، والتفاعل الحضاري بين مكوناته تحت سقف دولة حرة ومستقلة ومستقرة. وفي هذا الإطار من واجب الحكومة أن تحرك المؤسسات والأجهزة للقيام بواجباتها حثيثا، فالأمر الواقع بات يهدد وحدة لبنان وصيغة الشراكة الوطنية”.
وقال “نظرنا جميعا بثقة إلى المحادثات التي جرت في باريس منذ يومين، وثمنا موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصامد تجاه لبنان والداعم إياه في المحافل الأوروبية والدولية، كما أكد لرئيس الحكومة السيد نجيب ميقاتي. ويبقى على الحكومة اللبنانية أن تفي بالتزاماتها الإصلاحية لكي يتحول هذا الدعم إلى فعل حسي وتأتي الى لبنان المساعدات الموعودة. إن شعب لبنان بحاجة إلى ثروته المثلثة: التربية والتعليم والثقافة. هذه الثلاثية كانت في أساس وجود لبنان المميز في الشرق الأوسط . وما بدأ لبنان يتهاوى إلا مع كسوف هذه الثلاثية. إن أحد نتائج افقار اللبنانيين، وهذا ما يرجوه البعض، أن يصبحوا عاجزين عن التحصيل العلمي، وعن اتباع مناهج تربوية متطورة، وشراء الكتب والاطلاع على الثقافة العالمية فيحاصرون في ثقافة هي أقرب الى الجهالة منها الى المعرفة”.
وتابع: “لذلك أول واجبات الدولة، قبل سواها، دعم قطاع التربية والتعليم فورا بإطلاق المدارس والجامعات، وتوفير الكتب العالمية بأسعار تشجيعية من خلال اتفاقيات ثقافية مع الدول الصديقة، وتأمين مساعدات مالية تمكن الأهل من دفع الأقساط المدرسية، ومن اختيار المدرسة التي يريدونها لأولادهم. وواجب الدولة أن تساعد أصحاب المدارس الخاصة، ولاسيما الكاثوليكية منها على حسن التعاون مع أهالي التلامذة والمعلمين، والتصرف على أساس إنساني اولا. فجميعنا يمر في ظروف صعبة تحتم ان نتضامن بعضنا مع البعض الآخر”.
وفي سياق آخر، شدّد الراعي على أننا “ما زلنا نعيش في عمق قلوبنا مأساة أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت الـ208 والأكثر من ستة آلاف جريح، ومئات العائلات التي تشردت، والمنازل التي تهدمت. ونطالب اليوم وكل يوم بكشف الحقيقة وحسن سير العدالة. ومع ذلك نشجب التعرض للقضاء بهدف تعطيل التحقيق. ويجدر بأركان الدولة اللبنانية أن يستنكروا ما يتعرض له القضاء، ويدعموا عمل المحققِ العدلي ليصل إلى الحقيقة. كما نعترض على الكيل بمكيالين لجهة المدعوين للتحقيق معهم. كم كنا نتمنى لو أن جميع الذين يتمتعون بحصانة سارعوا ورفعوها عنهم طوعا أمام هول الكارثة التي تعد ثاني كارثة عالمية بعد هيروشيما”.
وختم الراعي: “إننا نكل إلى رحمة الله واقعنا اللبناني، ونصلي لكي يعود الجميع إلى الله، فنعيش جمال البنوة له والأخوة بعضنا إلى بعض”.