بات فريق المعارضين لوصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى الرئاسة على قناعة بأن لا طريق لتقليص فرصه سوى بالتوصل سريعاً إلى اتفاق على مرشح منافِس. وحرصت مصادر هؤلاء أمس على التسويق بأن هذا الاتفاق بات «ناجزاً»، ولم يتبقّ له سوى «الإعلان» الذي سيكشف صدق النوايا من زيفها وهدف كل طرف منه، سواء كان جدياً أو مناورة أو ابتزازاً أو حرق أسماء، خصوصاً أنه كلما عُمّمت أجواء إيجابية تُعّمم عاجلها ما يشكك فيها، كإعلان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، أول من أمس، أنه سيواصل طرح علامات استفهام حتى يرى بعينيه النائب جبران باسيل يقترع للوزير السابق جهاد أزعور.
في هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن الأحزاب المسيحية الثلاثة أبلغت البطريرك الماروني بشارة الراعي أنها اتفقت، مع نواب آخرين، على ترشيح أزعور، وأن الراعي «أثنى على الخطوة وطلب الإسراع في الإعلان عنها، وهو ما يُتوقّع خلال الساعات الـ 48 المقبلة، خصوصاً أن الراعي يريد أن يحمل هذه الورقة إلى لقائه الأسبوع المقبل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون». وبحسب مصادر معنية بالاتصالات، فقد أبلغ باسيل الوسيط الكتائبي، قبلَ ثلاثة أيام، «موقفه الحاسم من ترشيح أزعور، وهو سيعقد اجتماعاً قريباً لكتلته النيابية لبتّ الأمر». ونُقِل عن باسيل أنه «يتوقّع التزام كل نواب التكتل بالقرار بعد صدوره»، على عكس ما تعتقده مصادر قواتية، خصوصاً أن «البحث مع حزب الطاشناق بدأ للتوّ، وقد أبلغ النائب هاغوب بقرادونيان المتصلين به بأن القرار لن يُتخذ قريباً، وسطَ شكوك من جانب داعمي أزعور بتراجع الطاشناق عن التزامه بدعم فرنجية».
وكشفت المصادر أن قادة قوى الاتفاق عقدوا، نهاية الأسبوع، اجتماعات منفصلة مع أزعور الذي زارَ لبنان لثلاثة أيام، «تخللها نقاش مطول مع رئيس حزب القوات سمير جعجع». وقالت مصادر الأخير إن «الانطباع الأول إيجابي لجهة التصور الذي عرضه أزعور لمعالجة الأزمة الاقتصادية».
وبحسب المصادر المطلعة على المفاوضات، فإن «التوافق الشفهي يضمن لأزعور له حداً أدنى من الأصوات قريباً أو مطابقاً لأصوات فرنجية». وأوضحت أن أصوات أزعور ستتأتى من نواب «الجمهورية القوية» (19)، التيار الوطني الحر المضمونين (15)، الكتائب (4)، كتلة تجدّد (4)، إضافة إلى 6 نواب على الأقل من «التغييريين»، ومستقلين مثل غسان سكاف وبلال حشيمي وآخرين. وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن «ترشيح أزعور سيفرض نفسه على الوسطاء الخارجيين، خصوصاً فرنسا، ويلزمها وقف الضغوط لمصلحة فرنجية، أقله علناً». غير أنها استبعدت بأن «تغيّر فرنسا موقفها نهائياً من التسوية ربطاً بمصالحها التي تتجاوز الملف الرئاسي». وبحسب المصادر نفسها، فإن «السعودية لم تحرك ساكناً إزاء التوافق على أزعور وأبلغت بعض المستفسرين بتمسكها بموقفها الحيادي».
انقسام بين «التغييريين» وجنبلاط يؤكد أن أصواته ليست في «جيبة» أحد
على خطّ موازٍ، يقود كل من النائبين «التغييريين» مارك ضو ووضاح الصادق معركة أزعور داخل مجموعة «التغيير» نفسها. وبحسب مصادر معنية، يمارس الصادق وضوّ ضغوطاً على زملائهما للقاء أزعور كـ«تكتّل»، وسطَ معلومات تؤكّد رفض النواب حليمة القعقور وإبراهيم منيمنة وسينتيا زرازير وفراس حمدان التصويت له. فيما اعتبر النائب ميشال الدويهي، في اتصال مع «الأخبار»، أنّ «اللقاء ضروري لمعرفة مواقف أزعور من ملفات أساسية في الاقتصاد كصندوق النقد وتوزيع الخسائر، وفي السياسة كمسألة سلاح حزب الله وعلاقات لبنان الخارجية وغيرها من القضايا الشائكة»، و«على أساسها اتخذ قراري بالتصويت له من عدمه». أما منيمنة فوصف ما يحصل بأنّه «تكرار للصفقات السابقة ذات البنود المستترة في غرف مغلقة من دون تقديم أجوبة حول ملفات عديدة عالقة».
ويبدو أن ترشيح أزعور قسّم المجموعة «التغييرية» إلى فريقين، أحدهما، بحسب المعارضين، «ارتضى أن يكون جزءاً من توافق الأحزاب المسيحية على مرشح يواجه مرشح حزب الله، ولا يمانع أن تكون أصواته من ضمن حلف طائفي، والتموضع مع أحد فريقي النزاع»، وآخر قرر «مواجهة المحورين اللذين يتقاسمان البلد، برفض التصويت لأزعور وكذلك لفرنجية، من منطلق أن ليس دورنا دعم فريق على حساب الآخر» كما تقول مصادره. هذا الواقع دفع، وفق المعلومات، بعض النواب «التغييريين» إلى «البحث في تشكيل إطار سياسي جديد له وزن سياسي وقاعدة شعبية، يكون حكماً خارجه الصادق وضو وربما الدويهي نظراً للاختلاف في الخيارات السياسية»، فيما أفادت مصادر لـ «الأخبار» بأن «النائبين أسامة سعد وشربل مسعد قد يكونان من ضمن الإطار الجديد».
وفيما لا يزال موقف كتلة «اللقاء الديموقراطي» مُلتبساً حول الترشيح نفسه، قال متصلون برئيس الحزب «المستقيل» وليد جنبلاط إنه لن يُعلن موقفاً في وقت قريب، وسينتظر نتائج جولة جديدة من الاتصالات الداخلية والخارجية على ضوء اتفاق المعارضة، وإنه أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري أن موقف كتلته لن يكون «في جيب أحد». ولفتت مصادره إلى أن «موقف الحزب من ترشيح أزعور لم يعُد كما في السابق، فجنبلاط أول من عرض ترشيحه لكنه سيسير فيه في حال كانَ مرشحاً توافقياً لا مرشح مواجهة مع الفريق الآخر»، ناصحة المعارضة بـ «عدم احتساب أصوات الكتلة التي ستلجأ للورقة البيضاء في حال احتدام الصراع».
في المقابل، لا يزال الفريق الداعم لفرنجية يتعاطى مع الكلام عن اتفاق المعارضة على أنه مجرد مناورة لرفع سقف التفاوض في سياق لعبة الانتظار. وعبّر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد عن ذلك أمس قائلاً إن «المرشح الذي يتداول باسمه هو مرشح مناورة مهمته مواجهة ترشيح من دعمناه وإسقاطه»، داعياً الفريق الآخر إلى «التوقف عن هدر الوقت وإطالة زمن الاستحقاق».