بدا قائد الجيش العماد جوزف عون في الآونة الاخيرة كأنه ابتعد عن السباق الى قصر بعبدا، خصوصا بعد المواقف التي ادلى بها رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي اشار فيها صراحة الى عقبات كأداء تحول دون أي تعديل دستوري في المجلس يشرّع لعون عملية الانتقال السلس من اليرزة حيث مقر قيادة الجيش، الى مقر الرئاسة الاولى المتاخم.
وعليه، اذا كان العماد عون الذي وُضع في فترة موضع المرشح الندّ والحصري لمرشح الثنائي الشيعي لرئاسة الجمهورية زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية، قد أخرج نفسه أو أُخرِج عنوة، أو أن ابتعاده الحالي لا يعني انتفاء فرصة الاتفاق عليه يوما ما مرشح إجماع وتسوية، فالواضح ان الرجل، بحسب “النهار”، يوزع اهتماماته على نواحٍ وطنية اخرى يأخذ مكانَ الصدارة فيها وضعُ المؤسسة العسكرية.
ومعلوم ان العماد عون قاد بسلاسة وأريحية هذه المؤسسة منذ أن تسلّمها، لكن الامر اختلف بعد انطلاق “حراك 17 تشرين” 2019 ولحدّ الأمس القريب، اذ واجهت المؤسسة وضعاً استثنائياً تفاقم ولاريب بعد الانهيار المالي والاقتصادي، ما أثّر على تماسك هذه المؤسسة وانضباطية افرادها وعلى تأدية المهمات الامنية وغير الامنية، اذ كان على العماد عون مواجهة مهمتين شاقتين: الاولى المحافظة على تماسك المؤسسة وسمعتها ومكانتها، والثانية مهمة ضبط الاوضاع الامنية التي شهدت تفلتاً.
وابلغ قائد الجيش لزواره قبل ايام ان التدابير العاجلة والجهود الاستثنائية التي بذلتها القيادة “قد ساهمت في رفع معنويات عناصر المؤسسة وفي خفض منسوب شكواهم، خصوصا بعدما رُفع الحد الادنى لرواتب هؤلاء الى ما يقارب الـ 20 مليون ليرة شهريا، تضاف اليها مخصصات وتأمين عمليات النقل والانتقال مجانا وبواسطة باصات حديثة جدا تسير وفق خطوط نقل منظمة. ويضاف الى ذلك تحسين مستوى خدمات الطبابة والاستشفاء شبه المجانية لضباط الجيش وعناصره، فضلاً عن المئة دولار المضافة الى الراتب والمعروفة المصدر، ناهيك عن تأمين حصة تموينية شهرية وافية للراغبين في مقابل مبلغ رمزي، الى رفع قيمة المنح والمساعدات المدرسية.
واشار العماد عون الى ان هذه التدابير والاجراءات التي احتاجت جهداً حثيثاً من القيادة بغية إنفاذها وترجمتها عمليا، سمحت للقيادة على كل المستويات بضبط حركة الوحدات والقطاعات وانتفت معها حالات “التقاعس والتلكؤ” عن تأدية المهمات والواجبات، اضافة الى انها “حدَّت من عمليات الفرار من الخدمة او من طلبات التسريح التي سرت بداية وتحدث عنها الاعلام، لا بل سجّلنا طلبات من المتخلفين عن الخدمة ليعودوا الى الخدمة مجددا. كذلك لاحظنا ارتفاع طلبات التطوع بالجيش الى نحو 20 ألف طلب”.
ومن واقع الحال الواعد والايجابي هذا ينطلق العماد عون ليفصح عن “همّ” آخر يشغل باله وبال القيادة، وهذا الهمّ يندرج تحت عنوان “إحجام الشباب المسيحي عن التطوع والانخراط في الجيش، اذ على رغم ازدياد منسوب البطالة في صفوفهم فان ما نلمسه من هؤلاء الشباب، وخصوصا ابناء الارياف والمناطق التي اعتادت رفد المؤسسة العسكرية بالعناصر الشبابية، هو إحجامهم عن الالتحاق بالمؤسسة العسكرية”.
واضاف العماد عون: “ان القيادة ومن منطلق رفض هذا الواقع، ومن منطلق الرغبة في المحافظة على عنصر التوازن الوطني في المؤسسة، ولكي لا يأتي يوم تشعر فيه شريحة من ابناء الوطن بالغربة عن المؤسسة العسكرية او انه لم تعد تعنيها وتمثل شيئا لها، لجأنا الى رفع الصوت عاليا مطالبين مرجعية بكركي بما تمثل طائفيا ووطنيا بان تؤدي دورا في حض الشباب المسيحي على التطوع والالتحاق بهذه المؤسسة، وكذلك طالبنا قيادة الاحزاب والقوى المسيحية بأخذ المبادرة وتشجيع الشباب المسيحي على الالتحاق بها. ولكن للاسف فان صرختنا تلك لم تجد الصدى المطلوب اذ بقيت من دون جدوى”.
ويسأل العماد عون عن الاسباب التي تقف وراء إحجام الشباب المسيحي عن التطوع على جاري العادة، “علما ان الجيش هو المؤسسة الأهم فعليا للطائفة المسيحية، فضلاً عن الطوائف الاخرى”.
ومع ذلك يؤكد قائد الجيش انه لن ييأس وسيظل يرفع الصوت ويطرق الابواب اللازمة.
وفي موازاة هذا الواقع المقلق بالنسبة الى العماد عون، تراه يفصح عن همّ آخر يشكل عامل ازعاج له وهو يأتي من “السفراء الاجانب الذين يقصدونه للاجتماع به، إذ غالبا ما يطالبون بصراحة بدمج النازحين السوريين في النسيج اللبناني، وحجّتهم ليطرحوا ذلك بجلاء ومن دون اي مواربة ان عودة النازحين في ظل وجود نظام الرئيس بشار الاسد وغياب الحل السياسي في هذا البلد هي مستحيلة”.
ويكشف العماد عون ان رده على ما يطرحه هؤلاء صريح وواضح ايضا، اذ يقول لهم “ان وجود الاسد في رأس السلطة في العاصمة السورية صار امرا واقعا بعدما سقطت آمال اسقاطه في الاعوام الماضية، ويتعين على الجميع محاورته والتحدث معه بغية حل ملف النازحين والتخفيف من الوطأة التي يمثلونها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي اللبناني بعدما بلغ عددهم ارقاما كبيرة”.
ولا يخفي قائد الجيش شكواه في هذا الاطار من “انتفاء الرغبة والحماسة اللازمة لدى الحكومة اللبنانية لفتح ابواب حوار سياسي صريح مع الحكومة السورية بهدف ايجاد حلول تعيد هؤلاء النازحين الى ديارهم”.