بأقلّ قدر من الأضرار«الجسيمة»، خلص الاجتماع العام لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) إلى إدراج الملف اللبناني قيد «التقييم المتبادل» بين الطرفين لمدة سنة كاملة، على أن تسعى الهيئات المحلية الى معالجة الثغر الأساسية والثانوية الطارئة التي قلّصت، بحكم الأزمات القائمة، من كفاءة منظومة مكافحة غسل الأموال عبر القطاع المالي وخارجه.
وبدت هذه التوصية «الملزمة»، إيجابيةً للغاية في التقييمات الفورية التي استطلعتْها «الراي» في أوساط مالية ومصرفية معنيّة، بعدما تسبّبت حملات التهويل المسبقة – والمبنيّة على افتراضات غير موثوقة المصادر كما بيّنت القرارات النافذة – بإيجاد توترات شديدة في الأسواق المالية المحلية، وبمخاوف جدية من إطباق «العزلة» المالية على البلد المنكوب بأزماته، عبر انقطاع محتمل لتواصله المالي عبر الحدود.
وفي قراءة لمسؤول مالي كبير، فإن الانكشاف السيادي للبلد، والمرتكز أساساً الى انحسار حضور الدولة بفعل تفشي الفراغات في سلطاتها الدستورية ومن خلال الشلل الكبير في مجمل مؤسسات القطاع العام، تحوّل حقلاً خصباً لتوليد المخاطر الفعلية والافتراضية، المحقّق منها والمعلّق على المهل الزمنية، معتبراً أنه ينبغي أيضاً التحسّب للأذى الناتج أحياناً عن دفق معلومات وتحليلات تُجانِب الصواب في بنيتها واستنتاجاتها.
وبحسب المسؤول المالي الكبير، فإن التلويحَ بانقطاع تواصل القطاع المالي مع الأسواق الدولية ربطاً بإمكان إدراج لبنان ضمن القائمة «الرمادية» لمنظمات إقليمية ودولية مختصة بمكافحة تبييض الأموال وتقييم كفاءة المنظومات القانونية والاجرائية في كل بلد على حدة، حمل في مضمونه وترقباته أخطاء جسيمة في توقيت حَرِجٍ جداً جراء الأزمات المستمرة بالتفاقم في الميادين الداخلية كافة.
وفي التوضيحات، فإن المرجعيات المحلية المعنية، وفي مقدمها هيئة التحقيق الخاصة التي تمثّل لبنان في مجموعة العمل المالي الاقليمية، وهي من المبادرين الى تأسيسها ورئاسة اول دوراتها السنوية في العام 2004، كانت مسبقاً في أجواء مغايرة تماماً لحملات التهويل المحلية. فقد سبق الاجتماعَ العام الدوري الذي انعقد في دولة مقر المجموعة في البحرين، جولةٌ ميدانية نفّذها قبل شهرين، فريق عمل من المجموعة في بيروت، وانتهت الى تحديد «الثغر» المستجدة والالتزام بمعالجتها، على أن يجري عرض الوقائع والحصيلة تلقائياً على جدول أعمال الدورة 36 للمجموعة.
بذلك، يمكن فهم مضمون البيان الرسمي الذي أصدرتْه هيئة التحقيق، والتي هي جزء حيوي من مؤسسات السلطة النقدية المولجة حصراً بمكافحة تبييض الأموال، وإشارتها تحديداً «الى البيانات والتحليلات غير المبنية على وقائع التي صدرت أخيراًً بأنه قد يدرج لبنان هذا الأسبوع على اللائحة الرمادية»، لتؤكد النتيجة أنه تمت مناقشة وإعتماد تقرير التقييم المتبادل للبنان. علماً أن هذا التقرير هو وليد عملية طويلة امتدت لمدة 16 شهراً، تم خلالها وفي ظل ظروف صعبة تقييم نظام مكافحة التبييض وفقاً لمنهجية مجموعة العمل المالي (FATF) المعتمدة لتقييم جميع البلدان.
ويرتكز لبنان الى منظومة قانونية راسخة وقوية في نطاق مكافحة الأموال غير المشروعة تقرّ بها الهيئات الاقليمية والدولية المختصة. لكن التبعات المتولدة من تنامي الاقتصاد النقدي بما يصل الى نحو 10 مليارات دولار توازي نحو نصف الناتج المحلي الحالي، تكفلت برفع استثنائي لمنسوب الهواجس الخارجية من نشوء بيئة خصبة وقابلة للنمو المتسارع في ميدان العمليات المالية «الوسخة»، ولا سيما في في «قُصر» أيادي الأجهزة الرقابية وشلل المؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية.
وريثما يتم نشر التقرير الرسمي والمرجح بعد شهر، فقد ورد في نطاق التعهدات المتفَق عليها، بأن لبنان سيعمل على تحديد مفصّل للثغر التي يتوجب معالجتها، كذلك تحديث الجوانب الإيجابية في نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، توطئةً لاتخاذ الإجراءات التصحيحية لمعالجة هذه الثغر، على أن يقدّم للمجموعة تقرير متابعة خلال سنة 2024.
ووفق المنهجية المعتمَدة من قبل المجموعة، يقيِّم تحليلُ فعاليةٍ مدى تحقيق الدولة العضو (والتي تخضع لعملية التقييم المتبادل) لمجموعةٍ محددة من النتائج الفورية التي تُعتبر أساسية لأداء سليم ونظام فعال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع النتائج المتوقّعة أخذاً في الاعتبار ملف مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تلك الدولة. ويستخدم الخبراء الذين يشكلون فريق التقييم “11 نتيجة فورية”، بما في ذلك القضايا الأساسية لكل نتيجة، والمدرجة جميعها في منهجية التقييم للعام 2013.
ولا يَعتمد تحليلُ الفعالية على المعلومات المتبادَلة مع فريق التقييم فقط. فبعد تبادل المعلومات، يزور فريق التقييم المتبادل الدولة العضو محل عملية التقييم (عادة لمدة أسبوعين، وأحيانًا لفترة أطول بقليل) بحيث يتم مقابلة المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص لاكتساب فهم شامل لكيفية عمل نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتُعتبر مقابلة مؤسسات من القطاع الخاص أمراً أساسياً لمساعدة فريق التقييم المتبادل لاكتساب هذا الفهم.
وتقوم المجموعة بمتابعة الدول الأعضاء التي خضعت لبرنامج التقييم المتبادَل ضمن الجولة الثانية، حيث تقوم الدول الأعضاء بصفة منتظمة بإطلاع الاجتماع العام للمجموعة على الإجراءات التصحيحية التي تتخذها لمعالجة أوجه القصور التي حددتْها تقارير التقييم المتبادل. وتهدف عملية المتابعة إلى تحفيز الدول وحضّها على معالجة أوجه القصور المحددة، من أجل تحسين مستوى التزام وفعالية أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في الدول الأعضاء، والخروج من عملية المتابعة ضمن إطار زمني معقول.
وبالمثل، أكدت المجموعة رسمياً، أنه تمت مناقشة واعتماد تقارير التقييم المتبادل في الاجتماع العام لمجموعة العمل المالي واجتماعات اللجان والخبراء، والعائدة لعدد من الدول وبينها لبنان، فضلاً عن مناقشة المشاريع القائمة مثل مشروع التقييم الاقليمي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومشروع التطبيقات حول غسل الأموال وتمويل الارهاب من خلال الشخصيات الاعتبارية والترتيبات القانونية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وجاءت هذه الحصيلة الموجزة، بنتيجة الاجتماع العام الذي عُقد على مدار ثلاثة أيام في مدينة المنامة، بمملكة البحرين، حيث ترأس الاجتماع العام محمد الأمين ولد الذهبي، رئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومحافظ المصرف المركزي الموريتاني، وبحضور رؤوساء وفود وخبراء مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من الدول الأعضاء والمراقبين من الدول والمنظمات الدولية على رأسها مجموعة العمل المالي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومجموعة «اغمونت» الدولية لوحدات الاخبار المالي.
الرأي الكويتية