كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
لا تزال هيئة إدارة السير والمركبات والآليات تمتنع عن منح تراخيص القيادة أو تجديدها، بانتظار إستكمال التحقيقات التي فتحت في ملف الفساد في دوائر مصالح تسجيل السيارات منذ أشهر. وفي حين صدر قرار عن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي خلال شهر آذار الماضي مدّد بموجبه مفاعيل رخص السوق المنتهية الصلاحية منذ 1 كانون الثاني 2022 إلى 31 كانون الأول من العام الجاري، لا يتوقّع نقيب أصحاب مكاتب تعليم السوق عفيف عبود أن تفعّل قريباً عملية منح الرخص لطالبيها الجدد. ويعيد السبب «لكون معظم أعضاء لجان الفحص التي تشكّل لمراقبة إختبارات القيادة قد أوقفوا رهن التحقيق، وبالتالي يمنع على هؤلاء العودة إلى مزاولة نشاطهم قبل أربعة أشهر من إطلاق سراحهم». وفيما يؤكد أنه لم تتّخذ حتى الآن إجراءات تشكيل لجان جديدة، يلفت الى كون الواقع الوظيفي للنافعة، بعد وضع الإدارة المركزية للهيئة بإمرة أمنية، لا يسمح حتى الآن بتغطية كل الوظائف المطلوبة منها.
مع ذلك، تترقّب أوساط من ينتظرون الحصول على تراخيص سوق للمرة الأولى ما إذا كان الوقت الفاصل عن استعادة النافعة كامل نشاطها، سيدفع بالمعنيين الى اتخاذ الإجراءات التي تسمح بتدارك الثغرات التي سمحت بتفشّي الفساد والرشاوى والزعبرة، وخصوصاً في مسألة منح رخص القيادة.
وأولى هذه الثغرات ما يتعلق بوسيلة فحص القيادة المعتمدة، والتي لا تزال تحصر بالسيارات العاملة بمحرّك يدوي أي علبة السرعات «فيتاس عادي»، مع أنّ القانون رقم 342 الصادر في العام 2012 قد أجاز للمتقدّمين لامتحانات القيادة إستخدام سياراتهم الأوتوماتيكية.
اللافت في الأمر أنّه لدى استيضاح أصحاب المكاتب عن سبب حصر «فحص السواقة» بسيارات «الفيتاس العادي»، يقول هؤلاء إنّ إجراء الفحص بالسيارات الأوتوماتيكية يحتاج لتشريعه قانونياً. ما يعني أنّ بعض أصحاب مكاتب تعليم القيادة غير مدرك حتى وجود القانون الذي يشرّع هذا الأمر، على خلاف نقيبهم عفيف عبود الذي يؤكد أنّ القانون موجود ولكن مراسيم تطبيقه لم تصدر حتى الآن، ويتحدّث عن مراجعات متكررة لهيئة إدارة السير من أجل تطبيقه ولكن لا مجيب. وعمّا سمعه من تبريرات لهذا الرفض، يؤكد عبود أنّه لا تبرير واضح، وكل ما يعرفه أنّ تطبيقات هذا القانون إصطدمت بمعارضة هيئة إدارة السير، في وقت لم تجتمع لجنة السلامة المرورية التي يترأسها وزير الداخلية منذ ثلاث سنوات للدفع نحو الإجراءات التي تسمح بتنفيذ القانون. وعليه، بقيت بنوده بمعظمها غير مطبّقة.
إلا أنّ عبود يوافق في المقابل على كون حصر الإمتحانات بسيارات «الفيتاس عادي» شكّل أحد مزاريب الرشى التي كانت تُدفع سواء للجنة الفحص أو لبعض الموظفين، من أجل تغيير نتائج فحوصات القيادة من راسب إلى ناجح، وأحياناً أيضاً لسمسرات سمحت بإصدار رخص حتى من دون المرور على لجنة فاحصة. وهو بالتالي شكّل واحداً من مكامن الفساد التي جرى التحقيق بشأنها مع موظفي النافعة كما مع أصحاب مكاتب تعليم القيادة، والذين لا يزال بعضهم موقوفاً قيد التحقيق حتى الآن.
وفي العودة إلى القانون المذكور، فإنّ المادة 201 منه نصّت على تحديد خانة خاصة لقيادة مركبات ذات ناقل حركة أوتوماتيك BOITE DE VITESSE AUTOMATIQUE، من ضمن الرخصة، على أن يجري إمتحان السوق على هذا النوع من المركبات وألا يقود السائق سواها.
كما أنّ المادة 210 التي تدرج تحت عنوان طلب امتحان السوق تتضمّن من ضمن الشروط الموضوعة لمنح الرخصة، تحديد طالبها ما إذا كان يرغب في رخصة خاصة بمركبة ذات ناقل حركة أوتوماتيكي. وكذلك تنصّ المادة 214 من القانون على أنّه يمكن إجراء الإمتحان على مركبات يملكها طالب الرخصة أو أحد أصوله أو فروعه. وإذا أخذنا في الإعتبار أنّ السيارات ذات المحرّك اليدوي تكاد لا تتواجد إلا في مكاتب تعليم القيادة، معناها أنّ طالب الرخصة يمكنه أن يجري الفحص على سيارة أوتوماتيكية.
وبمزيد من الإطلاع على القانون يتوضّح الكثير من المعايير التي لو طبّقت لربّما كانت كفيلة بتكبيل الفاسدين والمفسدين في دوائر النافعة. ولكن هل كان هذا مراد القيّمين على هيئة إدارة السير الذين يلاحق حتى بعض كبار مسؤوليهم بتهم الفساد حالياً؟
يشير أحد أصحاب مكاتب تعليم القيادة الذي لا يزال ابنه موقوفاً رهن التحقيق في هذه القضية، إلى «أنّ مكاتب تعليم القيادة ليست سوى الوسيط بين الراشي الذي هو المواطن والمرتشي أي الموظف». ولكن هذا ليس دقيقاً تماماً. إذ إنّ القانون نفسه يحدّد مهمّات مكاتب تعليم القيادة ومسؤولياتها. وإفادة أصحاب هذه المكاتب حول خضوع طالب الرخصة لعدد ساعات التدريب المحدّدة في القانون وتقييمهم أداءه خلالها، لهما الأثر الكبير في تحديد موعدي الفحصين النظري والعملي اللذين سيخضع لهما لاحقاً. ولكن بالطبع هذا ما لا يحصل عملياً.
بل يقول صاحب المكتب إنه بالكاد يتعرّف طالب الرخصة إلى تقنية قيادة «سيارة الفحص» حتى يطلب تحديد موعد له، وغالباً ما يكون نصيبه الرسوب، وحينها يبدأ البحث عن وساطات. فاللبنانيون ينزعون عادة إلى مخالفة القوانين من خلال تعليم أولادهم القيادة بسن مبكرة، فيما الرخصة تشكّل الغطاء القانوني لهذه المخالفة. وعليه، يصل الشبان بمعظمهم الى فحص السواقة ملمّين بكل تفاصيل القيادة، باستثناء إستخدام المحرّك اليدوي الذي لن يحتاجه هؤلاء بالأساس في ممارستهم العملية للقيادة.
واللافت في الأمر أيضاً ما يشير إليه أحد أصحاب المكاتب حول كون الإتصالات لتبديل نتائج بعض طالبي الرخص من راسب إلى ناجح، تكون أحياناً من رجال أمن وأشخاص نافذين في السلطة يفترض أن يكونوا حريصين على تطبيق القوانين. وهذا وفقاً لصاحب المكتب جعل بعض أعضاء اللجان الذين لم يتمّ تعقّبهم ولا سيما في مصالح الهيئة بالمحافظات، يتمنّعون عن الإلتحاق بوظائفهم، خوفاً من أن يفضحهم حرجهم مع هؤلاء المتدخّلين.
إلا أن القانون أيضاً بدا حريصاً على تدارك هذه الضغوطات التي قد يتعرّض لها أعضاء اللجان. وعليه إشترط في المادة 217 أن يكون هؤلاء ممّن يشهد لهم بالكفاءة والإنضباط، مع تخصيصهم بتعويضات مناسبة.
إذاً، الضوابط التي تتدارك وقوع «النافعة» في مستنقع الفساد الذي فجّر ملفها قضائياً في الأشهر الماضية موجودة من ضمن القانون الموضوع منذ العام 2012 كما يؤكد عبود، ولكنّنا تأقلمنا على واقع دولة تضع القوانين ولا تطبّقها. بل تلفّ الشبهات أداء السلطة نفسها، إلى حدّ التشكيك بتورّطها في ملفات هذا الفساد. فتوقّف صدور رخص السوق حالياً يتزامن أيضاً مع انتهاء عقد شركة «إنكربت» التي إلتزمت إصدار هذه الرخص، في مناقصة شابتها الشبهات، إلا أنّها حاولت أن تبهر المواطنين بالمواصفات البيومترية المتطوّرة لرخصة، لم تكن بدورها تمنح إلا لمن يجتاز، بالغش أو الجدارة، مناورات بدائية تنفّذ في سيارات ولّى عليها الزمن عملياً.