كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
صدر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي منذ يومين قراراً رقم 23/58 يقضي بتشكيل لجنة لدرس موضوع بدلات إيجار الأبنية الحكومية المستأجرة لصالح الدولة اللبنانية.
يترأس اللجنة نائب رئيس مجلس الوزراء وتضمّ وزراء العدل، المالية، الداخلية والبلديات، التربية والتعليم، الأشغال العامة والنقل، الطاقة والمياه. كما تضمّ الأعضاء وزير الشؤون الإجتماعية، الصحة، الزراعة ورئيس إدارة الأبحاث والتوجيه، نقولا نحّاس وسمير ضاهر.
تقوم مهمة اللجنة بدراسة موضوع بدلات إيجار الأبنية الحكومية المستأجرة لصالح الدولة اللبنانية وتقديم الإقتراحات اللازمة لإيجاد حلّ شامل لمعالجة موضوع الزيادة على بدلات الإيجار المقترحة من قبل المالكين مع الأخذ في الإعتبار الوضع المالي لخزينة الدولة.
وأتاح القرار للجنة الإستعانة بمن تراه مناسباً من الإدارات والمؤسسات العامة في سبيل إنجاز مهمّتها على أن ترفع تقريرها الى رئيس مجلس الوزراء الذي يعرضه عند الإقتضاء على مجلس الوزراء.
عقود بالدولار ضئيلة وبالليرة كثيرة
لم يحدّد بعد موعد الإجتماع الأوّل للجنة، وإنما ما هو معلوم من المعطيات أن اللجنة ستنكبّ على جمع ودراسة المباني والمراكز التي تشغلها الدولة.
وفي السياق أوضح مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية سمير ضاهر لـ”نداء الوطن” أن الدولة تستأجر مباني ومراكز عدة وفق عقود منها محدّدة بالدولار الأميركي وعددها قليل وعقود الإيجارات المتبقّية وهي كثيرة بالليرة اللبنانية.
من هنا ستكون مهام اللجنة إجراء جردة لتعديل قيمة تلك العقود، فإذا كانت قيمة العقود بالليرة اللبنانية، عندها يجب إعادة النظر بها وتعديلها ارتفاعاً، أما عقود الإيجارات التي هي بالدولار الأميركي يجب تعديلها انخفاضاً بسبب تدني مستوى الأسعار بالقطاع العقاري وذلك يتمّ بناء على مفاوضات بين المؤجّرين والمستأجرين”.
بالنسبة الى إيجارات الأبنية التي هي بالدولار الأميركي، نذكر مركز الهيئة الناظمة لقطاع النفط في وسط بيروت والمجلس الإقتصادي والإجتماعي… فضلاً عن مبانٍ تابعة لوزارة الداخلية… فالمباني التي كان بدل إيجارها على سبيل المثال بقيمة 1.5 مليون ليرة أي ما يعادل نحو 1000 دولار أميركي وفق سعر صرف 1500 ليرة للدولار، بات يعادل اليوم 15 دولاراً أميركياً وفق سعر صرف السوق الموازية وهو نحو 100 ألف ليرة، من هنا تأتي ضرورة تعديل قيمة البدل. أما المباني المستأجرة من الدولة بالليرة اللبنانية فهي كثيرة مثل مراكز الدوائر العقارية والمدارس…
من مظاهر الهدر والفساد
إن هذا القرار يعيد موضوع طرح مسألة الهدر والفساد في إدارات الدولة على طاولة التداول، إذ لدى الدولة اللبنانية أراضٍ وعقارات وأملاك يتمّ البحث في استثمارها لتأمين السيولة تحقيقاً لعائدات إضافية للدولة وتسديد قسم من الودائع الإسمية المحبوسة في المصارف، فيما إدارات الدولة اللبنانية تشغل مباني خاصة بالإيجار بعضها مملوك من سياسيين، بدل اعتمادها على تشييد مبانٍ على عقاراتها ومنع استفحال ظاهرة تشييد المباني غير الشرعية على الأراضي والعقارات التي تعود الى الدولة اللبنانية.
ووفقاً لتقديرات سابقة، تقدّر قيمة المبالغ التي تُدفع سنويّاً من الخزينة كبدلات إيجار لهذه المباني بأكثر من 200 مليار ليرة، وهو مبلغ كان وقتها يتيح تشييد مبانٍ جديدة!
ومن المعلوم وفقاً لتقديرات متداولة سابقاً، أنّ عدداً من المباني التي تستأجرها الدولة تعود ملكيّتها الى شخصيّات سياسيّة أو الى مقرّبين منهم، ما كان يبرّر الاستمرار في استئجارها وبمبالغ كبيرة في بعض الأحيان.
واللافت في هذا الإطار أنّ وزارة التربية والتعليم العالي على سبيل المثال كانت تسدّد 19 مليار ليرة سنويّاً بدل إيجارات، وهو رقم كبير كان ليتيح بناء عدد من المدارس الرسميّة على مرّ السنوات، علماً أنّ هذه الإيجارات تشهد ارتفاعاً من سنة الى أخرى.
وكان يُسجّل لمبنى الإسكوا في وسط بيروت إيجار بقيمة 11.7 مليار ليرة، علماً أنّ المالك هو شركة “سوليدير”، التي رفعت البدل بقيمة 500 مليون ليرة في السنوات الأخيرة.
طبعاً اليوم الدولة عاجزة عن تشييد مبانٍ جديدة على تلك المساحات، ولكن هل ستكون قادرة على تسديد كلفة الإيجارات في حال تعديلها ورفع قيمتها التأجيرية خصوصاً تلك التي تسدّد بالدولار؟
وطالما أننا في مرحلة انهيار وبما أنّ أيّاً من الحكومات التي مرّت على لبنان لم تطرح مسألة تشييد مبانٍ أو ترشيد عملها، فحتماً لن تفعل اليوم في موسم الإنهيارات والأزمات، بل جلّ ما تستطيع القيام به هو حثّ السياسيين الذين حقّقوا منفعة خاصة لسنوات طوال على المساهمة في حدّ الهدر وعدم رفع قيمة عقود الإيجارات.
ووفقاً للقانون إذا كانت عقود الإيجارات قديمة فلا يمكن تعديلها اليوم إلا بقانون، وإذا كانت جديدة يمكنها أن تتركها وتنقل الى مبانٍ أخرى قد تعود لها أو أقلّ كلفة. يبقى السؤال الأبرز من هي الجهات السياسية التي تؤجّر الدولة أبنيتها؟