كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
من المفيد المقارنة بين جولتي السفير السعودي وليد البخاري قبل شهر رمضان وبعده. في الجولة الأولى وقبل توقيع الإتفاق الإيراني السعودي كان يتحدّث عن مواصفات، لم تكن تنطبق على المرشح سليمان فرنجية. أما في الجولة الثانية فقد انتقل من حيّز المواصفات إلى حيّز التأكيد على ضرورة أن ينجز اللبنانيون استحقاقهم الرئاسي. حسب المواكبين لحركته عن قرب، ومن استقبله، لم يضع البخاري فيتو على فرنجية أو على غيره ولا دخل في لعبة الأسماء، ليشير ضمناً وفق من التقاهم إلى أنّ العقدة الرئاسية داخلية وليست في الخارج، وأنّ المملكة تتعاطى مع دولة وليس مع أشخاص وعلى قاعدة «أنني لست مستعدّاً أن أطلب من حلفائي الإقتراع لفرنجية»، وهذا أمر يتوقّف على الإتفاق الداخلي.
في هذا الوقت كان البعض يرصد زيارة البخاري بالشكل من حيث ترتيب المواعيد واللقاءات. السفير السعودي الذي عاد ملتحياً من إجازته، بدأ جولته من دار الفتوى وانتقل بعدها إلى عين التينة ثم إلى معراب، وفي اليوم الثاني زار بكركي والمجلس الشيعي والكتائب، أما ختامها فسيكون من كليمنصو للقاء رئيس «الحزب الإشتراكي» وليد جنبلاط، لتكون في ذلك دلالة واضحة على موقع جنبلاط كبيضة القبان في جلسات الإنتخاب، حيث يجري التفاوض معه من قبل الثنائي لحضور الجلسة وتأمين نصابها إن لم يكن لانتخاب فرنجية. تقول مصادر مواكبة إنّ السفير تقصّد ترك جنبلاط لختام جولته وبعدها يجب أن يتمّ رصد حركة رئيس «الإشتراكي» والبناء عليها.
وانتقال المملكة من حيّز المواصفات إلى حيّز النصح بالتوافق على انتخاب الرئيس، يشير إلى أن المقصود على وجه التحديد التوافق بين المسيحيين أو بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» مجدداً. فهل يعود «التيار» ورئيسه إلى حضن «حزب الله» فيلتقيان على انتخاب فرنجية؟ أم يغادر «التيار» علاقته مع «حزب الله» ويلتقي مع «القوات» ضد فرنجية؟ أما الإحتمال الثالث فهو تلاقي «حزب الله» مع «القوات» على تأمين نصاب الجلسة لانتخاب فرنجية وهو المستبعد مبدئياً.
بعين الرضى ينظر «الثنائي الشيعي» لمواقف السفير السعودي وليد البخاري وجولته على المسؤولين. في التقييم الأولي كانت مواقفه «تقليدية لا تعكس رفضاً لترشيح فرنجية» بدليل قوله إنّه لا فيتو سعودياً على أي مرشح ولا اعتراض على أي مرشح». مع استكمال جولته أبقى البخاري مواقفه على حالها حمّالة أوجه ومحل تفاؤل لجهتي المعارضة والممانعة، وكلّ يفسّرها بما يخدم توجّهاته السياسية. رغم كون سفير المملكة أعاد رمي الكرة إلى الملعب اللبناني بعدما كان الكلّ رماها في ملعب المملكة، فقال: «لا مرشح لدينا ولا أضع فيتو على مرشح، تصرّفوا وسنبني على ما سيكون».
يدرك «حزب الله» أنّ عدم التوافق الداخلي هو العقبة الرئيسة أمام وصول مرشحه. لكنه يراهن على عامل الوقت الكفيل أن يخرج بتسوية تفسح طريقه إلى القصر. برأيه إنّ الإتفاق الإيراني – السعودي وعودة العلاقات السورية – السعودية والإنفتاح العربي على سوريا، كلها عوامل ستحدث تغييراً. عامل آخر يتم التعويل عليه هو اللقاء الخماسي الجاري التحضير له لبحث ملف الرئاسة استكمالاً للإجتماعات التي سبق وعقدت في باريس. تقول مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» إن موفداً قطرياً يحاول خلال زيارته لبنان جسّ النبض تحضيراً للإجتماع وإن كانت تفاصيله لم تتوضّح بعد، لا من حيث التوقيت ولا من حيث مكان انعقاده، بين قطر أو السعودية. لا بدّ أن يتعاطى المجتمعون مع فرنجية كمرشح وحيد بعدما تراجعت حظوظ قائد الجيش العماد جوزاف عون وسُحب من التداول كما سُحب ترشيح ميشال معوّض. من المفترض وفق المصادر أن يناقش هذا الإجتماع حصيلة المستجدّات في الملف الرئاسي بناء على جولة السفير السعودي والموفد القطري وجهود الفرنسيين وموقف الأميركيين. ليس صحيحاً أنّ فرنسا جمّدت محاولاتها، وإلا لكان ملف الرئاسة جُمّد وهي لا تزال تتعاطى مع فرنجية كمرشح وحيد يملك حظوظاً بينما لم تعلن المعارضة مرشحاً في مواجهته.
لا يأتي رهان «حزب الله» على الوقت من فراغ. في سياق تطوّر البحث في الملف الرئاسي تمّ الإنتقال من حيّز وجود مرشحين هما جوزاف عون وسليمان فرنجية الى حيّز وجود مرشح واحد هو فرنجية بعدما سحب ترشيح معوّض من التداول تلقائياً. منيت جلسات انتخابه بالفشل فيما تمسّك الثنائي بترشيح فرنجية. في هذا الوقت أعلن عن الإتفاق السعودي الإيراني ثم انطلقت العلاقات الثنائية بين السعودية وسوريا والإنفتاح العربي على سوريا، وصولاً الى إجتماع عمّان الأخير والذي كان غرضه الوحيد إعادة وزير الخارجية السوري الى طاولة وزراء الخارجية العرب.
هنا كبُر الرهان على فرنجية. فإذا كانت السعودية ترفض تأييده لاعتباره حليف «حزب الله» والمحور الإيراني، فها هي السعودية توقّع إتفاقاً مع إيران وتعيد علاقاتها مع سوريا. ما يعني أنّ أسباب الرفض انتفت عملياً. فرنجية ذاته كان أبلغ «حزب الله» أنه لا يقبل الرئاسة إلا بتأييد مسيحي معوّلاً على تفاهم «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، ودعم مالي واقتصادي تؤمّنه السعودية للخروج من الأزمة. فرنجية الذي تبلّغ من الفرنسيين مرونة في الموقف السعودي طلب تطمينات من حلفائه وخلال اجتماعه مع الأمين العام لـ»حزب الله» قبل نحو شهرين تقريباً، قال إن إنتخابه يحتاج إلى تفاهم بين «حزب الله» و»التيار» وهو ما ليس متوفّراً حتى الساعة، وقد يعاد العمل عليه في أية لحظة، والضمانة السعودية رهن توفّر التسوية التي ستقع حتماً ويراها «حزب الله» واقعة لا محالة، لكن الأمور مرهونة بأوقاتها والعين لا تزال على سفير المملكة وخاتمة جولاته وما سيليها.